الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
محبس‭ ‬الرسام

بواسطة azzaman

محبس‭ ‬الرسام

علي السوداني

 

حبسني‭ ‬الرسام‭ ‬القاسي‭ ‬داخل‭ ‬إطار‭ ‬خشبي‭ ‬غليظ‭ ‬أحكم‭ ‬غلقه‭ ‬بخبث‭ ‬مبين‭ .‬

كان‭ ‬البورتريت‭ ‬مكتظاً‭ ‬بتفاصيل‭ ‬بديعة‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬لحية‭ ‬الكاتب‭ ‬تكاد‭ ‬تأكل‭ ‬كل‭ ‬الوجه‭ ‬،‭ ‬وشعر‭ ‬رأسه‭ ‬ظهر‭ ‬نازلاً‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬الصندوق‭ ‬كأنه‭ ‬ضفيرة‭ ‬مربوطة‭ ‬بباب‭ ‬مدرسة‭ ‬إبتدائية‭ .‬

ثمة‭ ‬ساقيتان‭ ‬تهبطان‭ ‬من‭ ‬جانبي‭ ‬الخشم‭ ‬الكبير‭ ‬وتصبان‭ ‬تحت‭ ‬اللحية‭ ‬البيضاء‭ ‬المزدانة‭ ‬ببقيا‭ ‬شعرات‭ ‬سود‭ ‬يتيمات‭ .‬

في‭ ‬معرض‭ ‬الوجوه‭ ‬المعلقة‭ ‬على‭ ‬حوائط‭ ‬قاعة‭ ‬المدينة‭ ‬الكبرى‭ ‬،‭ ‬إشترتني‭ ‬امرأة‭ ‬بدت‭ ‬مخيمة‭ ‬على‭ ‬باب‭ ‬السبعين‭ ‬،‭ ‬ووجهها‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬محتفظاً‭ ‬بوسامة‭ ‬مدهشة‭ .‬

وضعتني‭ ‬مقمطاً‭ ‬بصندوق‭ ‬سيارتها‭ ‬المرفهة‭ ‬ودارت‭ ‬بي‭ ‬دورة‭ ‬طويلة‭ ‬ومملة‭ ‬حتى‭ ‬بوابة‭ ‬قصرها‭ ‬العظيم‭ .‬

نمت‭ ‬ليلتها‭ ‬فوق‭ ‬مائدة‭ ‬طعام‭ ‬هائلة‭ ‬،‭ ‬وعندما‭ ‬صعدت‭ ‬سيدتي‭ ‬إلى‭ ‬غرفة‭ ‬نومها‭ ‬،‭ ‬هبطت‭ ‬عليَّ‭ ‬فكرة‭ ‬تحطيم‭ ” ‬البرواز‭ ” ‬والهروب‭ ‬بليل‭ ‬نحو‭ ‬مرسم‭ ‬الصعلوك‭ ‬الأمين‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬كنت‭ ‬أنصت‭ ‬معه‭ ‬إلى‭ ‬أجمل‭ ‬الأغنيات‭ ‬وأراقب‭ ‬بلذة‭ ‬منعشة‭ ‬حركة‭ ‬فرشاته‭ ‬العجيبة‭ ‬وهي‭ ‬تخلق‭ ‬لمة‭ ‬طيبة‭ ‬من‭ ‬الصحب‭ ‬تتكىء‭ ‬جلها‭ ‬على‭ ‬أسافل‭ ‬الحيطان‭ ‬،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬عملية‭ ‬التعليق‭ ‬والشنق‭ ‬التي‭ ‬فعلتها‭ ‬شاريتي‭ ‬العاشقة‭ .‬

منذ‭ ‬سنوات‭ ‬لم‭ ‬أعد‭ ‬أتذكر‭ ‬عديدها‭ ‬الطويل‭ ‬،‭ ‬بقيت‭ ‬مصلوباً‭ ‬على‭ ‬جدار‭ ‬صالة‭ ‬السبعينية‭ ‬،‭ ‬وكلما‭ ‬حاولت‭ ‬كسر‭ ‬مستطيل‭ ‬الخشب‭ ‬،‭ ‬فشلتُ‭ ‬وساح‭ ‬خيط‭ ‬دم‭ ‬جديد‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬رقبتي‭ .‬


مشاهدات 497
الكاتب علي السوداني
أضيف 2024/01/30 - 3:27 PM
آخر تحديث 2025/03/12 - 6:36 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 429 الشهر 6247 الكلي 10567196
الوقت الآن
الأربعاء 2025/3/12 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير