حبسني الرسام القاسي داخل إطار خشبي غليظ أحكم غلقه بخبث مبين .
كان البورتريت مكتظاً بتفاصيل بديعة ، حيث لحية الكاتب تكاد تأكل كل الوجه ، وشعر رأسه ظهر نازلاً من جهة الصندوق كأنه ضفيرة مربوطة بباب مدرسة إبتدائية .
ثمة ساقيتان تهبطان من جانبي الخشم الكبير وتصبان تحت اللحية البيضاء المزدانة ببقيا شعرات سود يتيمات .
في معرض الوجوه المعلقة على حوائط قاعة المدينة الكبرى ، إشترتني امرأة بدت مخيمة على باب السبعين ، ووجهها ما زال محتفظاً بوسامة مدهشة .
وضعتني مقمطاً بصندوق سيارتها المرفهة ودارت بي دورة طويلة ومملة حتى بوابة قصرها العظيم .
نمت ليلتها فوق مائدة طعام هائلة ، وعندما صعدت سيدتي إلى غرفة نومها ، هبطت عليَّ فكرة تحطيم ” البرواز ” والهروب بليل نحو مرسم الصعلوك الأمين ، حيث كنت أنصت معه إلى أجمل الأغنيات وأراقب بلذة منعشة حركة فرشاته العجيبة وهي تخلق لمة طيبة من الصحب تتكىء جلها على أسافل الحيطان ، بعيداً عن عملية التعليق والشنق التي فعلتها شاريتي العاشقة .
منذ سنوات لم أعد أتذكر عديدها الطويل ، بقيت مصلوباً على جدار صالة السبعينية ، وكلما حاولت كسر مستطيل الخشب ، فشلتُ وساح خيط دم جديد على ما تبقى من رقبتي .