الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
سباق الإنسان والتكنولوجيا .. بين التكيّف والهيمنة

بواسطة azzaman

سباق الإنسان والتكنولوجيا .. بين التكيّف والهيمنة

ابراهيم احمد سمو

 

لا استحالة في ظل التطورات السريعة التي يشهدها العالم اليوم، حيث أصبح التعامل مع الإنسان ضرورة بوصفه كائنًا واعيًا، بغض النظر عن انتماءاته الطائفية أو العرقية أو الأيديولوجية. فالعالم لم يعد يخضع لمنطق القوة الغاشمة أو لكثرة العدد واستعراض العضلات، بل لمن يمتلك العلم ويستطيع استغلاله بأفضل الطرق. فمن أدرك هذا التسارع، ونهل من معين المعرفة، ووصل بسرعة البرق إلى التطور المنشود، هو من سيحظى بالريادة، وربما يتمكن يومًا ما من حكم العالم، مما قد يؤدي إلى انتهاء عصر الأقطاب المتصارعة وبروز نمط جديد من السيطرة قائم على الذكاء والتفوق العلمي.

إن هذا المفهوم لم يعد مجرد تكهنات أو إشارات مبهمة، بل بات واقعًا ملموسًا تؤكده الفيديوهات المسربة، والمعلومات المنتشرة، والحقائق المخفية خلف سطور المعرفة وعلوم الأديان. اليوم، يقف الإنسان أمام مفترق طرق؛ إما أن يستغل التطور لصالحه ويجعل منه أداة لتعزيز وجوده وتحسين حياته، أو أن يُهدم بفعل الجهل وعدم الإلمام بالثقافة الحديثة، فيجد نفسه، ومعه وطنه، على حافة الانهيار.

نحن أمام مرحلة حرجة من التحولات الكبرى، حيث تشهد خارطة الأمم تغيرات جذرية، ليس فقط من حيث الحدود السياسية، بل أيضًا على مستوى الثقافات والتوجهات الفكرية. لم يعد هناك شيء خارج السيطرة، فالإنسان في أي زاوية من العالم يستطيع أن يدرك ما يحدث في أقصى بقاع الأرض بلمسة زر، بمجرد نقرة على شاشة هاتفه المحمول. فالبصمة الرقمية اليوم قادرة على فتح أبواب المعرفة بلا قيود، والوصول إلى المعلومة لم يعد يتطلب مجهودًا مضنيًا كما في الماضي.

طريقة احترافية

في هذا العصر الرقمي، بات الإنسان يسيطر على القلم والفكر بطرق جديدة، وأصبحت آليات الكتابة والتفكير أكثر تطورًا. ما كان يستغرق شهورًا من البحث والتمحيص، أصبح الآن متاحًا في ثوانٍ، فبمجرد وضع عنوان لمقال، تظهر آلاف المصادر والمواضيع الجاهزة، بل ويمكن إرسال نصوص عبر الذكاء الاصطناعي ليعود إليك مصححًا، مصوغًا بطريقة احترافية، مع ضبط التنقيط، وتحسين الأسلوب، وإضافة لمسات جمالية إلى الكلمات.

لكن، هل يعني هذا أننا نفقد هويتنا الفكرية؟ بالطبع لا. ما ندركه من خلال الكتابة ليس مجرد نقل للأفكار، بل هو انعكاس لعقولنا، وهوية تعبر عن وعينا وثقافتنا. لذلك، يجب أن نحافظ على بصمتنا الفكرية، وألا نسمح بأن يُنسب جهدنا للغير. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن الذكاء الاصطناعي أصبح أداة مساعدة في تحسين الإنتاج الفكري، وليس بديلًا عن العقل البشري المبدع.

اليوم، أصبح الوصول إلى المعرفة أسهل من أي وقت مضى. التعليم لم يعد محصورًا في قاعات الدرس التقليدية، بل انتقل إلى المنازل وأصبح ممكنًا عن بُعد، مما ساهم في تقليص الفجوة التعليمية بين الدول المتقدمة والدول النامية. وفي مجالات أخرى، مثل الطب، أصبح الإنسان قادرًا على تشخيص الأمراض بسرعة، بل وحتى اتخاذ خطوات علاجية فورية، دون الحاجة إلى زيارة الطبيب في كثير من الأحيان.

وفي عالم الصناعة، باتت الروبوتات تحل محل العمال في المصانع، وهو ما نراه بوضوح في اليابان والصين والولايات المتحدة وغيرها من الدول المتقدمة. هذه التحولات السريعة تُنبئ بمستقبل قد يُحدث تغييرات غير متوقعة في سوق العمل، حيث قد تختفي بعض الوظائف التقليدية لتحل محلها وظائف جديدة قائمة على البرمجة والذكاء الاصطناعي والتحكم الرقمي.

إن العالم يتسابق نحو المستقبل بوتيرة غير مسبوقة، والإنسان الذي يمتلك القلم والمعرفة والقدرة على التحليل هو من سيفوز في هذا السباق. لم يعد اكتساب العلم يتطلب سنوات طويلة من الدراسة، بل أصبح في متناول الجميع، وما يحتاجه المرء اليوم هو القدرة على مواكبة هذه التطورات والاستفادة منها بأسرع وقت ممكن.

نحن نعيش في زمن أصبح فيه الذكاء الاصطناعي متحكمًا في كل شيء تقريبًا، من المال إلى الإعلام، ومن التغذية إلى العلاج، وحتى في المجالات العسكرية والأمنية. التكنولوجيا تتقدم بسرعة تفوق توقعاتنا، وهي تفرض واقعًا جديدًا لا يمكن تجاهله. فهي كالقطار السريع، إن لم نلحق به في وقته، فسنجد أنفسنا متأخرين عن الركب، نلهث خلف التطورات التي تجاوزتنا.

لذلك، من الضروري أن ندرك أن هذا العلم لا يعرف المجاملات، ولا يعترف بالوساطة، ولا يهتم بأصول وانتماءات مستخدميه. المعلومات والبيانات تنتقل بسرعة البرق، دون الاعتبار لهوية من يبحث عنها. وبالتالي، نحن أمام تحدٍّ كبير يتطلب منا أن نسبق الآخرين، وألا نكتفي بدور المستهلكين، بل أن نكون جزءًا من حركة التطوير والابتكار.

لدينا في مجتمعاتنا طاقات شبابية هائلة، قادرة على مجاراة هذا التطور السريع، والمساهمة فيه بفعالية. وأنا، مثل كثيرين، تأقلمت مع أبسط الأدوات الرقمية، واستفدت الكثير من إمكانياتها، ولم أعد بحاجة إلى وسيط أو مصحح لمقالاتي، لأن التكنولوجيا نفسها أصبحت توفر لي هذه الأدوات بسهولة.

إن العالم الجديد لا ينتظر المترددين، بل يرحب فقط بمن يملك الإرادة للاستفادة من إمكانياته اللامحدودة.

ولذلك، علينا أن نكون سبّاقين، وأن نؤكد على هويتنا وأصالتنا من خلال إنجازاتنا وابتكاراتنا، بدلًا من الاكتفاء بمراقبة ما يفعله الآخرون. المستقبل ليس لمن يراقب، بل لمن يشارك في صناعته.


مشاهدات 76
الكاتب ابراهيم احمد سمو
أضيف 2025/03/11 - 3:08 PM
آخر تحديث 2025/03/12 - 12:33 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 268 الشهر 6086 الكلي 10567035
الوقت الآن
الأربعاء 2025/3/12 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير