تأثيث الهيكل في العراق
فاتح عبدالسلام
اين تكمن المشكلة الأساسية التي يعاني منها الطاقم السياسي في العراق وسط اشتداد مطالبة الولايات المتحدة بفك الارتباط العراقي مع إيران في مجالات تخضع للعقوبات؟
هناك إجابات كثيرة لهذا السؤال، ذلك انّ المشكلة مستفحلة ومتشربة بشرايين طبيعة النظام السياسي في البلد، لكن في نفس الوقت لا معنى لأي جواب محتمل، مادامت ليست هناك حلول ممكنة او انّ الحلول “شبه مستحيلة” مع عدم التغيير الحقيقي في بنية النظام الحاكم.
أقف هنا عند مسألة واحدة، وهي عدم وجود” ثقة” لدى واشنطن بجدية اية إجراءات عراقية في مسعى الابتعاد عن النهج الإيراني بالرغم من التصريحات المستمرة لاسيما في قضية الحرب الأخيرة التي اندلعت بين إسرائيل وجنوب لبنان. غير انّ أزمة الثقة، لها من الجانب الأمريكي علاجات سهلة وممكنة من خلال فرض المطالبة بالالتزام العراقي بعدم خرق اية عقوبة أمريكية ضد إيران، او الذهاب كما صدر من اطراف أمريكية الى التعامل بالعقوبات المماثلة مع العراق جزئياً أو كلياً، وهي مسألة ليست مؤثرة في الموازين الامريكية، اذ ليس هناك وليد مدلل كما كان وضع العراق قبل اكثر من عقدين، فاليوم يحاول حلفاء أوربيون وغربيون للولايات المتحدة النجاة بأنفسهم من شروط أمريكية قاسية في ملفات استراتيجية تخصهم في الدفاع والتسليح والتحالفات الدولية، وكذلك في التجارة والضرائب الجمركية. فكيف بحال العراق؟
لماذا تكرست أزمة عدم الثقة؟ هذا مبحث لا يقف عنده الطاقم السياسي في العراق على اعتبار انّ إجراءات العمل الرسمي اليومي جارية من دون تعثر في العلاقة مع واشنطن، في ظن منهم انّ ذلك كافٍ ، وهو ليس كافياً بتاتاً ، ذلك انّ تركيبة النظام القائمة في البلد يجب ان تكون من النوع الضامن للمصالح الامريكية، وان يكون العراق عاملاً مساعداً ومُربحاً للولايات المتحدة بوصفها “صاحبة الامتياز” الحصري في تأسيس نظامه السياسي. وهنا الخلل مشترك، ويقع جزء كبير منه على الإدارات الامريكية التي أسست هيكلية النظام السياسي العراقي وتركته فارغاً ولم تشتغل كثيراً وعميقاً على تأثيثه حتى قادت تحولات دراماتيكية داخلية وإقليمية الى ان يكون لإيران الامكانية العقائدية لملء فراغات الهيكل القائم والذي حملته الى داخل القصر الجمهوري في المنطقة الخضراء الطائرات والبوارج والدبابات الامريكية في مثل هذه الأيام قبل اثنتين وعشرين سنة.