المتنبي.. الغائب الحاضر
عبدالرضا محسن الملا
بالرغم من تعاقب العصور والازمان فان ابو الطيب احمد ابن الحسين المتنبي لايزال حاضراً تتناقله الاجيال تلو الاجيال وشعره فيه راحة للنفس وتبصيرها والنأي بها عن صغائر الامور والحسن من القول وما احوج جيلنا الحاضر كتاباً وادباء وصحفيين اقتفاء اثره وان يكون للكلمة وقعها بعيدا عن سفاسف الامور وهو القائل :
انا الذي نظر الاعمى الى ادبي
واسمعت كلماتي من به صمم
انام ملء جفوني عن شواردها
ويسهر الخلق جرائها ويختصم
وفي الكتاب واهميته في حياة الفرد يقول :
اعز مكان في الدُّنى سرج سابح
وخير جليس في الزمان كتاب
لا مفشياً سراً اذا استودعته
وتنال منه حكمة وصواب
وقوله في الطموح وهو غاية كل من يسعى جاهداً بلوغ الهدف ونيل العلا :
اذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في امر حقير
كطعم الموت في امر عظيم
وفي العمل يقول واجاد ما قال واصبح مثلا لاصحاب الهمة والعزيمة :
على قدر اهل العزم تاتي العزائم
وعلى قدر الكرام تاتي المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم
واذا كان ما يحصل في حاضرنا من اساءة للسمعة وتشهير بالاخرين وبما يزكم الانوف من ابتزاز وكلام بذيء وما يتركه من اثار سلبية بشكل او باخر فضلاً عن الفهم الخاطئ للعلوم والتكنولوجيا الحديثة وعلى غير ما قدمه العالم المتطور من خلالها وفي هذا يقول:
يهون علينا ان تصاب جسومنا
وتسلم اعراض لنا وعقول
لا تحقرن صغيراً في مخاصمة
ان البعوضة تدمي مقلة الاسد
وفي موضع اخر حذر من تجاهل الاخرين وتصغيرهم وتناسي ما تأتي به الايام من احداث جمة
قل للشامتين بنا افيقوا
فان نوائب الدنيا تدور
وكم كان شاعر العرب كبيراً في نقده لمن يفهم الدين في غير جوهره وهو القائل:
أ كل ما في الدين ان تحفوا شواربكم
يا امة ضحكت من جهلها الامم
وله ايضاً :
فلم ارى ودهم الا خداعاً
ولم ارى دينهم الا نفاقاً
ونرى في وقتنا الحاضر انتشار ظاهرة اجتماعية نجد فيها من يفاخر بنسبه او عائلته خلاف ما قال به المتنبي وهو كما معلوم شريف النسب :
ما بقومي شرفت بل شرفوا بي
وبنفسي فخرت لا بجدودي
وفي الشجاعة والرجولة فارسها وتضحيته بالنفس من اجلها وما بال شباب هذا اليوم الذين اتخذوا من المخدرات والموبقات مرادفة لهم في حياتهم وساد فيها الميوعة وضعف الاخلاق وكيف سيكون الدفاع عن الوطن والحال هذه اذا ما نابته نائبة وتعرضه للاعتداء وفي هذا يقول:
عش عزيزاً او مت وانت كريم
بين طعن القنا وخفق البنود
واذا لم يكن من الموت بد
فمن العار ان تموت جباناً
وبعد كل هذا خسأ حساده الصاقهم به تهمة ادعائه النبوة حينها متذرعين في قوله وهو فوق الشبهات وما نسبوه اليه:
انا ترب الندى ورب القوافي
وسمام العدا وغيض الحسود
انا في امة تداركها الله
غريب كصالح في ثمود
مات المتنبي وهذه سنة الحياة وبقي حياً يتجدد ذكراه وما احرى كتابنا والادباء والشعراء السير على نهجه في قول الحقيقة وحق من قال عنه انه مالئ الدنيا وشاغل الناس.