مطر جميل ومبهج ورحيم ينزل فوق عمّان وما حولها ، فيغسل الشجر والحجر والشوارع والقلوب التي تسور أباريق الشاي المنعنع والمهيل ودلال القهوة الطيبة .
في ذات الوقت ثمة مطر شرير قاسٍ يبلل خيام النازحين ويهلهلها ويجرف ما تبقى من دفء وحلم ممكن في غزة المقدسة وشوارع الطين ومغاور الأنقاض والأجساد التي لم تجد مدفناً حتى الآن ، فيراها الرائون بنصف إغماضة كما لو أنها تعاتب الله وتقول له هل ثمة من يشبهنا فوق أرضك شرقاً وغرباً وماءً وسماء ؟!
تلك هي أمطارنا التي شلعت قلب بدر شاكر السياب وأسقطته بحزن مميت ، وهي نعمة ونقمة كأنها النفط والحاكم والخيانة التي ما عادت مخجلة !!
الحاكم العربي الذليل يكره غزة صانعة المعجزة الأعظم الآن ، لأنه يقف عاجزاً خائراً بائلاً من فرط الخوف ، ملتصقة عجيزته المباركة بكرسيه الأعرج ، وحيداً منبوذاً بمواجهة الحقيقة الشريفة التي ترن وتطن بإذنه الصماء وعينه الرمداء والتي ترسم أمامه صورة مستطيل أرضي صغير فقير محاصر ، لكنه أذل ما كان يعرف بالإشاعة ، أنه جيش أسطوري رهيب قوي لا يقهر ولا يهزم ، ثم تبين بالصوت والصورة بأنه لملوم لقطاء جبناء مرتزقة أبدع فقط في قتل وجرح نحو تسعين ألفاً من أهل غزة الجبارين الإستثنائيين ، بعد أن تبول جنده وتغوطوا داخل دباباتهم وناقلاتهم المجنزرة المتطورة المصفحة ، وسقطوا بعار القتال من المسافة صفر التي هي من اختصاص الفلسطيني الحق الجبار الذي لا شبيه له .
التضحيات ضخمة والدماء والدموع صارت نهرأ جارياً ، لكن المعجزة تحققت والجرح الاستراتيجي الذي غار بجسد كيان اللقطاء وراعيتهم العاهرة الكونية أمريكا يتعمق وينمو ، والأرض كلها ثائرة الآن وعنوانها الأقدس هو فلسطين العربية المبجلة .