الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
التطبيع المبطن… عندما تتحول

بواسطة azzaman

التطبيع المبطن… عندما تتحول

عباس النوري العراقي

 

اللغة إلى جريمة سياسية في العراق، لا تُقاس المواقف بالنوايا، بل بالكلمات. فالكلمة هنا ليست أداة تعبير فحسب، بل موقفًا سياسيًا له تبعات قانونية وأخلاقية. من هذا المنطلق، لا يمكن التعامل مع أي خطاب يتضمن مصطلح “التطبيع” بوصفه زلة لغوية أو اجتهادًا فكريًا بريئًا، لأن هذا المصطلح محسوم الدلالة في الوعي العراقي: التطبيع مع العدو الصهيوني. أولًا: اللغة ليست بريئة في السياسة عندما يُقال إن: «العراق مهبط الأنبياء وعلى العالم أن يطبّع مع العراق» فإن المشكلة لا تكمن في المدح الرمزي للعراق، بل في استخدام مصطلح سياسي ملغّم دون أي تقييد أو توضيح. فالعراق: • ليس دولة معزولة. • ولا يعاني قطيعة دبلوماسية مع العالم. • ولا يحتاج إلى “تطبيع” بالمعنى المتعارف عليه دوليًا. إذًا، لماذا استخدام هذا المصطلح تحديدًا؟ الجواب بسيط وخطير في آنٍ واحد: لأنه يفتح باب التطبيع المبطن، أي التطبيع الذي لا يُقال صراحة، بل يُمرَّر عبر العموميات، والشعارات الحضارية، واللغة الرمزية. ثانيًا: رد السوداني… نفيٌ حاسم يفضح المقصود رد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، حين قال بوضوح إن العراق لا يطبّع، لم يكن مجرد طمأنة سياسية أو تهدئة للرأي العام، بل كان: • تثبيتًا لمعنى التطبيع بوصفه تطبيعًا مع العدو الصهيوني. • إغلاقًا متعمدًا لباب التأويل الذي حاول الخطاب الآخر فتحه. • إحالة غير مباشرة إلى قانون تجريم التطبيع. وهنا المفارقة المهمة: لو لم يكن المقصود من الخطاب الملتبس هو التطبيع مع العدو الصهيوني، لما كان رد السوداني بهذه الصيغة الحاسمة أصلًا. بمعنى آخر: رد السوداني، وإن جاء بصفته موقف دولة، حجّ الشارع العراقي، وأكد أن أي حديث عن “تطبيع” لا يُفهم في العراق إلا ضمن هذا الإطار المحظور. ثالثًا: التطبيع المبطن أخطر من التطبيع العلني التطبيع العلني: • يُواجَه. • يُرفَض. • ويُحاسَب سياسيًا وقانونيًا. أما التطبيع المبطن: • فيتخفّى خلف اللغة. • ويتسلل عبر العموميات. • ويحاول اختبار ردود الفعل الشعبية. وهذا النوع أخطر، لأنه: • يربك الرأي العام. • يخلق انقسامًا لغويًا بدل موقف وطني واضح. • ويقوّض الإجماع الشعبي الرافض للتطبيع. رابعًا: القانون لا يحاسب النوايا بل الأفعال والخطاب قانون تجريم التطبيع في العراق لم يُشرّع عبثًا، بل لحماية: • الهوية السياسية للعراق. • موقفه التاريخي من القضية الفلسطينية. • ومنع أي محاولة التفاف لغوي أو سياسي. وعليه: فإن أي خطاب عام يستخدم مصطلح “التطبيع” خارج سياقه القانوني والوطني، يستوجب المساءلة، لا بدافع القمع، بل: • لحماية المعنى. • ومنع التمييع. • وصيانة الخط الأحمر الذي أجمع عليه العراقيون. الخلاصة • التطبيع في العراق ليس وجهة نظر. • ولا مصطلحًا قابلًا لإعادة التدوير اللغوي. • ولا شعارًا حضاريًا فضفاضًا. ورد السوداني، رغم هدوئه، كان إدانة سياسية غير مباشرة لكل خطاب ملتبس يحاول إعادة تعريف التطبيع أو تمريره بغطاء لغوي ناعم. وفي بلدٍ قدّم الدم دفاعًا عن قضاياه، تبقى الكلمة مسؤولية… وأي محاولة للتطبيع، صريحة كانت أم مبطنة، تُحاسَب وفق القانون، لا تُبرَّر بالنوايا.

 


مشاهدات 39
الكاتب عباس النوري العراقي
أضيف 2025/12/27 - 1:53 PM
آخر تحديث 2025/12/28 - 12:46 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 51 الشهر 20533 الكلي 13004438
الوقت الآن
الأحد 2025/12/28 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير