لمن تقرع الاجراس؟
ثورة تقتحم جامعاتنا عنوانها مسار بولونيا
هاشم حسن التميمي
عايشت التعليم العالي نصف قرن طالبا واستاذا وعميدا في كليات رسمية واهلية ووجدته متارجحا مابين الصعود والهبوط، التقدم والتراجع مثل اللعبة الشهيرة( الحية والدرج) لغياب السياسات التي غيبتنا عن العالم فاصبحنا في اسفل السلم في عمق البئر وجاء مسار بولونيا محاولة للانقاذ فهل ستنجح..؟
ومسار بولونيا باختصار شديد مبادرة اوربية انطلقت من مدينة بولونيا الايطالية عام ١٩٩٩ لتوحيد انظمة التعليم العالي واصلاحها وتفعيل التعاون وتبادل الاعتراف وحرية التنقل للطلبة والعمل البحثي المشترك شاركت فيها جامعات من ٤٨ دولة وتوسعت لتشمل المئات من اشهر الجامعات.التي يشار اليها بالبنان.
وزارة التعليم العالي وبعد دراسات مسحية وزيارات ميدانية وجدت في هذا المسار فرصة للتحول النوعي لواقعنا الجامعي ومحاولة لتدويل الجامعات العراقية لتناظر وتقارب في انظمتنا التعليمية الجامعات العالمية الشهيرة والرصينة في اوربا وامريكا وكندا وبلدان شرقية نجحت بالتحول التنموي والرقمي، ونجاح هذا المسار في العراق سيؤمن للجامعات العراقية الانتقال من انظمة التعليم المدرسي التلقيني الى انظمة الادارات المعرفية الرقمية المرتبطة بمتطلبات سوق العمل وتطور المجتمع واعتماد التكوين وكسب المهارات العملية وتقليص المساقات النظرية عبر نظام معقد يتطلب التحول الرقمي الشامل وبناء بنية تحتية الكترونية ومناهج مبتكرة ونوعية ومهارات رقمية ثلاثية للطالب والاستاذ والادارات تعمل في توقيتات دقيقة وانظمة جودة عالية المواصفات.
هذا التحول يمنح جامعاتنا الاعتراف الدولي بالشهادات والمرونة في تبادل الخبرات وانتقال الطلبة لاشهر الجامعات بدون تعقيدات واختراق مجالات العمل في الداخل والخارج لامتلاك شهادة معرفية مدعمة بخبرة ميدان العمل التخصصي.
وللتحقق من دقة ومصداقية خطة تحول بعض تخصصاتنا الجامعية لهذا المسار منذ عامين كانت لنا زيارات ميدانية ولقاءات مباشرة مع قيادات جامعية واساتذة وطلبة ومسؤولين على تنفيذ هذا البرنامج في وزارة التعليم العالي فوجدنا اجراءات وخطوات كنا نشكك بمصداقيتها وضمان نجاحها فسبق ان سمعنا تصريحات كثيرة لكنها لم تر النور وظلت حبرا بكل الالوان على ورق في ملفات مهملة… لكن مايجري الان على ارض الواقع مختلف تماما فحين جلست مع رجل يلقبونه ( ابو بولونيا ) لانغماسه وانشغاله العميق واطلاعه على ادق تفاصيل هذا التحول الثوري في انظمة التعليم الجامعي والذي شمل منذ عامين عشرات التخصصات العلمية الهندسية والطبية والتقنية والادارية العلمية دفعة اولى تليها دفعات لتضم كل التخصصات العلمية والانسانية، وتابعت شخصيا مع السيد ابراهيم علي عضو اللجنة العليا المشرفة على لجان فرعية تعمل مثل خلايا النحل في الكليات والاقسام العلمية تتحدى الروتين ومقاومة وتذمر المتشأمين الرافضين للتغيير من الاساتذة والاداريين التقليدين والكسلة من الطلاب الباحثين عن شهادات وليس مهارات.
وخلاصة ما شاهدته واطلعت عليه يبشر بخير لايتسع المقال لسرده وساحوله لدراسة بحثية…واثار عندى وربما عند عدد كبير من الاكاديميين تساؤلات مصدرها الانطباعات المسبقة وفي مقدمتها هل يمكن ان يحدث هذا التحول على يد وزير ( حصة لجهة سياسية) …؟ ..لايمتلك تاريخا طويلا في التعليم العالي ومساراته واسراره وقد فشل قبله من الذين راهنا على شهاداتهم وتاريخهم الاكاديمي وحدث ان انجز وزير سابق محسوب على احزاب السلطة منظومة مناهج دراسية متطورة بخبرة عالمية غير مسبوقة، وبدون انحياز ندعو لانصاف الانسان على انجازه وليس انتسابه وقدرته لاتاحة الفرصة لابداع اهل الاختصاص وليس من يوالونه حزبيا.
ولكي بنجح المسار ويكون خطوة نوعية في تاريخنا الجامعي على يد شبكة من اللجان تعمل بمنظومات دقيقة وخطط مدروسة علينا ان نعيد النظر في سياسة القبول خاصة الدراسات العليا لتكون حصريا للكفاءات وبالمنافسات الحقيقية وباعداد يحددها سوق العمل ومتطلباته وليس القبول باستثناءات وبصيغة المكرمات… ولكي تستكمل الصورة لابد من تضمين الموازنات العامة وبرامج الحكومة تخصيصات مالية معقولة لتشجيع الابحاث العلمية وتوسيع وتطوير البنية التحتية الرقميةاسوة بالمجسرات، والعمل على اعتماد تصنيفات وانظمة جودة وطنية وتطوير مجلاتنا العلمية التخصصية المحكمة والكف من الهرولة والتفاخر بالمؤشرات والتصنيفات الدولية الدولارية الا عند الضرورة القصوى، فقد رفضتها السربون وخرجت منها جامعات عريقة ومازلنا نتمسك باذيالها…،و لابد من اخضاع الجامعات الاهلية لرقابة مشددة والحد من سلطة المستثمرين واجبارهم لاختيار قيادات اكاديمية رصينة تشعر بالاحترام واستقلال القرار والابتعاد عن القرارات التعسفية و المهينة للاستاذ والنظر اليه قيمة عليا واجبة الاحترام وعالية المقام وليس عاملا اجيرا من بنكلاديش او باكستان … وتخصيص جزء كبير من الارباح لتطوير البنية التحتية الخاصة ببرامج التدريب والتكوين للفروع العلمية والانسانية على حد سواء ،ومشاطرة التدريسيين والادارات بنسب من الارباح والغاء الضريبة غير القانونية التي تستقطع من رواتب الاساتذة المتقاعدين …. ونامل متابعة جادة لرصانة التعليم الاهلي والعناية بمستواه اكثر من الاهتمام ببريق المرمر وتنسيق الحجر، فالبشر اولا ولكي لاتبقى ذريعة للتشكيك بشهادات هذه الجامعات من الشقيق قبل الصديق.. بانتظار تطبيق ناجح لمسار بولونيا ليرفع ويحسن ويطور سمعة جامعاتنا لتكون خبرات خريجها مطلوبة في ساحات العمل ونعيد الاعتبار والهيبة للشهادة الجامعية كما كانت في عصرها الذهبي . وليبارك الله في كل جهد نبيل يعمر ويطور بجدية واخلاص بعيدا عن التسويق المهرجاني ويرى ان ربحه الاكبر ليس بتوسيع الثروة وتضخيمها بل في تاهيل الانسان علميا واخلاقيا لتتحول الجامعات لينابيع خير وعطاء تصدر للمحتمع الخبرة والكفاءة قبل الشهادة.