كيف تنقذ القيم المدن المنكوبة ؟
أياد العناز
تتسم المدن الحضارية ذات العمق الإنساني الكبير بقواعد من التماسك المجتمعي وتتخذ من العمل الجماعي والتعاون والتآزر بين أبنائها ميدانًا لتحقيق الأهداف والغايات الاجتماعية في تعزيز أواصر العلاقة بين فئاتها المجتمعية.
هذه السمات الوجدانية والملامح الإنسانية الصادقة، هي من أكثر البصمات التي تتحلى بها مدينة الموصل والتي كانت تُعد الركيزة الأساس في تجميع الجهات والتيارات السياسية، ورغم المحن والمصاعب التي عانتها والسنين العجاف التي مرت عليها وأيام المكابدة التي أرهقتها وأثقلت كاهل أبنائها، إلا أنها تمكنت من استعادة دورها الإنساني بالتعاون الصادق بين أهلها بشعور كل فرد منهم بأنه جزء حيوي من النسيج الاجتماعي في المشاركة الفعلية لإعادة بناء المدينة وتأهيلها واستعادة روح العطاء والحماس للعمل وبذل الجهود الخيرة وبث الروح الإيجابية في النفوس الطاهرة لأهلها.
عانت المدينة من صعوبات عديدة وواجهت تحديات مجتمعية كبيرة ولكنها بإرادتها وثبات موقف عوائلها ومساندة بعضها للبعض الآخر والقيام بإعادة وترميم المباني والأسواق والمحلات التجارية وتقديم المساعدة للعوائل الكريمة المتعففة من خلال المؤسسات والمنظمات الأهلية التي التحمت فيما بينها وعززت روح التماسك الاجتماعي وعمقت قيم الرحمة والعدل والمساواة ومنحت المدينة ألقها وضياء وجودها ومنحتها حقها في أن تكون رمزًا لبيئة إنسانية راقية.
يظهر التاريخ الحضاري والقيمي للمدن الأصلية وتتجلى معاني الوفاء والأصالة والقيم والأخلاق والمبادئ الإنسانية للمجتمع عند حصول الكوارث والأزمات والحروب، وتظهر معاني التعاون بكل صورها الوجدانية من خلال التكافل المجتمعي والتبرعات والعمل التطوعي الذي أصبح بصمة واضحة عكست حالة التكاتف والتآزر الذي واجهت به مدينتنا الموصل الحبيبة وأهلنا الصابرون محنتهم التي مرت عليهم في السنين الماضية.
تعطي ثمار التربية الأخلاقية ذات القيم والسلوك الرصين ثمارها في بناء الفرد وإعداد المجتمع، وهذا ما تميزت به العوائل الكريمة في مدينة الموصل بإعداد أبنائها منذ الصغر وتربيتهم على الصدق والأمانة والتمسك بالقيم والأخلاق والمبادئ الإنسانية الوجدانية الصادقة، فتعلم أبناءها قيمة العمل الجماعي وأنه أساس لبناء المجتمع وعلو مكانته وروسوخ وجوده، وأنه الطريق الصحيح والإيجابي لتجاوز العقبات ومواجهة التحديات.
أثبتت الوقائع أن الموصل الحبيبة، هي المدينة التي تبحث عن ذاتها في ركام الأحداث التي آلمت ببلادنا وأنها ترفض التبعية لأي شخص أو كيان أو جهة وأكدت ميزتها في نسيجها الاجتماعي المتماسك الذي مهما حاول الآخرون النيل منه، إلا أنه يبقى بصمة راقية في حياة المدينة وأخلاق وسلوك أهلها الصابرون.
ساهم أبناء العوائل الكريمة من الخيرين والأوفياء من القيام بمبادرات مجتمعية ميدانية بإطلاق حملات تطوعية ومشروعات شبابية عززت روح التكافل والتعاون وأعطت صورة جميلة ونموذجًا إنسانيًا راقيا للتأزر المجتمعي.
وتمكنت القلوب النقية والأيادي البيضاء من إعادة بناء مدينتها ورسم ملامح تطورها وإعادة بريقها وألقها وتحقيق إنجازات مجتمعية في أوقات المحنة بجهد جماعي وعبر أناس كرام عملوا جميعًا في سبيل تحقيق هدف واحد وأمل مشرق في حياة كريمة ومستقبل زاهر.
تبقى مدينتنا الموصل الحبيبة عنوانًا للعمل الجماعي وبصمة خيرة للتعاون والإبداع بين شبابها وأبنائها وبناءً لبيئة فاعلة وقادرة على مواجهة التحديات بكل أنواعها وأشكالها ، مستندة لتاريخ حضاري كبير وروح من العطاء وقيم من التعاون والمحبة وخُلق رفيع في السلوك القويم، وهي الأسس الجوهرية التي يقوم عليها أي مجتمع ناجح وقيمة إنسانية نبيلة تعمل على تحقيق التقدم والازدهار وتذليل الصعاب وتعزيز قاعدة التعاون المتين.