بين المرونة السياسية والجمود
حسن الحيدري
في عالم السياسة لا شيء ثابت سوى (التغيير) فالتقلب في المواقف والتحالفات لم يعد ضعفا في المبدا بل تعبيرا عن مرونة سياسية تستجيب للواقع وتوازن المصالح المثال الابرز على ذلك هو احمد الشرع المعروف بـ ابو محمد الجولاني الذي كان قبل سنوات زعيما لتنظيم جبهة النصرة أحد أكثر الفصائل تشددا في المشهد السوري والمسؤول عن عمليات تركت أثرًا عميقًا في ذاكرة الحرب
ومع ذلك شهد العالم تحوّلا لافتًا في صورته من قائد ميداني مطارد براس مطلوبة بعشرة ملايين دولار إلى عطر يرش له من دونالد ترامب والى شخصية تظهر في وسائل الإعلام الامريكية في لقاءات ذات ضوء عالمي وبملابس مدنية ليقدم نفسه كرجل دولة يسعى إلى بناء نموذج إداري في سوريا
هذا التحول لم يكن نتيجة صدفة بل انعكاسا لقدرة القوى الدولية على استيعاب التغير وتدوير الزوايا السياسية فالولايات المتحدة على سبيل المثال تتعامل مع الخصوم بمرونة عالية وتعيد تعريف العداء حين تملي المصالح ذلك في المقابل ما زال المشهد العراقي أسيرا لنمط من التفكير السياسي العاطفي حيث تختزل المواقف في الثبات او الخيانة وينظر الى التحول في الرأي كتناقض لا يغتفر هذا الميل إلى التمسك بالموقف حتى وان تغيرت الظروف يعكس جمودا ذهنيا يعيق بناء تجربة سياسية ناضجة لقد افرزت الحرب السورية عقلا سياسيا اكثر براغماتية وفي مدة قصيرة يدرك ان السلطة ليست ثابتة وان التحالف مع الأمس يمكن ان يصبح ضرورة اليوم بينما ما زال العقل السياسي العراقي محكوما بتاريخ من الانقسامات والصراعات الداخلية التي جعلت الموقف السياسي اقرب الى موقف اخلاقي شخصي منه الى خيار استراتيجي متغير ان المرونة في السياسة ليست انتهازية بل مهارة في قراءة اللحظة وتقدير المصلحة العامة اما التمسك المطلق بالموقف فهو اقرب الى الانفعال منه إلى الرؤية وحين تفقد السياسة قدرتها على التكيف مع المتغييرات الدولية تتحول إلى طقوس جامدة لا تنتج سوى الاقصاء والانقسام لا تنتصر الشعوب بالشعارات الثابتة بل بالعقل المرن القادر على تحويل الازمات الى فرص وفهم ان التغيير لا يعني الخيانة بل النضج والقدرة على البقاء.