فم مفتوح .. فم مغلق
الرواد منارات تهدي وتلهم
زيد الحلي
قبل ساعات قليلة من هذا اليوم ، اي في فترة الضحى (السبت 4 / 10/ 2025) شهدت محافظة كربلاء المقدسة احتفالا كبيرا رعاه محافظها المهندس نصيف جاسم الخطابي، لتكريم عدد من رواد الابداع في مختلف فنون الثقافة في المحافظة، اقامته مؤسسة (خطى) لرعاية رواد الصحافة والاعلام. وانا اتطلع الى وجوه الاعزاء المكرمين، لاحت امامي صورة عميد الصحافة الكربلائية، اول مراسل لإذاعة بغداد ووكالة الانباء العراقية منذ العام 1959 وحتى رحيله، صديقي وزميلي العزيز طارق أمين الخفاجي طيب الله ثراه.
وعلى أديم ارض كربلاء المقدسة، وفي خطوة رائدة ، ذهبت مؤسسة (خطى) بكوادرها من بغداد الى موطن المبدعين، بدل ان تستدعيهم للتكريم في العاصمة، مثلما يحدث حاليا عند فعاليات المؤسسات والمنظمات، وهذا دلالة على ان للمبدع مكانة خاصة في خارطة الزهو العراقي، تجعل جهات التكريم هي الساعية لهم، وليس العكس، فشكرا لراعي المؤسسة زميلنا د. علاء الحطاب، الذي دلل على ان مساحة الابداع عريضة وواسعة المدى، وروادها مشمولون بالتكريم والاهتمام اينما اثمروا واينعوا في كل المحافظات. إن التكريم الذي جرى للرواد من الأدباء والصحفيين في كربلاء ليس مجرد احتفالية عابرة، بل هو فعل اعتراف بجميلٍ عظيم صنعه أولئك الذين حملوا على عاتقهم همَّ الكلمة الصادقة، وصاغوا بمداد أقلامهم ملامح الثقافة العراقية في أبهى صورها. هؤلاء الرواد لم يكونوا شهوداً على زمنهم فحسب، بل كانوا صنّاعاً له، إذ غرسوا القيم النبيلة، وفتحوا مساحات رحبة للوعي والإبداع، وأسّسوا لمنظومة فكرية ظلّت تغذي الأجيال اللاحقة.
وانني اجد ان هذه الاحتفالية هي خطوة أصيلة في إعادة الاعتبار لأسماء كبيرة بذلت الجهد والعمر في خدمة الصحافة والأدب والفنون، وأبقت شعلة الثقافة متقدة رغم صعاب الأزمنة وتحدياتها. وإن الاحتفاء بالرواد هو احتفاء بالتاريخ ذاته، واستذكار لعطاءٍ لا ينضب، ورسالة للأجيال الجديدة بأن جذور الثقافة العراقية ضاربة في عمق الأرض، ولن تنكسر أمام العواصف.
ولعل من أجمل ما يمكن أن تحققه مثل هذه المبادرات أنها تُعيد إلى الواجهة تلك السير الإنسانية الملهمة التي تقاطعت فيها ملامح التضحية مع جمال الإبداع. فكل رائد من هؤلاء ترك أثراً لا يُمحى، وحكاية تستحق أن تُروى، وسطوراً خالدة تظل شاهدة على أن الثقافة ليست ترفاً، بل هي وعي ورسالة ومسؤولية.
ان هذا التكريم يرسّخ فكرة الاستمرارية بين الماضي والحاضر والمستقبل؛ فالأجيال الجديدة حين ترى كيف يُكرَّم الرواد الأوائل، ستدرك أن الإبداع الحقيقي لا يضيع، وأن الوفاء للقلم الحرّ هو أسمى منجز يمكن أن يحفظ ذاكرة الوطن من النسيان ، وهي انطلاقة متجددة لتقاليد الوفاء، وسبيلاً لترسيخ مكانة الكلمة الحرة والإبداع الأصيل، حتى يبقى الرواد منارات تهدي وتلهم، ويظل عطاؤهم نبراساً للأجيال القادمة.
Z_alhilly@yahoo.com