ذريعة الحماية وتشابه الأحداث
عدنان سمير دهيرب
التاريخ لا يتكرر ، اذا ما تغير الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ، غير إن التعامل قياساً الى أحداث وقعت في الماضي وإستمرار ذات البنى المتراكمة في المجتمع فأن التاريخ يتكرر ، مع إفادة صناع الأحداث والوقائع من شبيهتها في الماضي ، لاستثمار ذات الأسلوب في الحاضر مع إضافة تدابير أخرى تلتقي مع المتغير الشكلي للأحداث المتماثلة من حيث الغايات .
وقد شهد العراق خلال الأعوام السابقة أحداثاً ، لا تشكل حالة فريدة في الصراعات المذهبية والسياسية والعرقية والنزاعات الاجتماعية ، ولكنه أصبح مثالاً من حيث العنف والانقسام في بيئة تتغذى على العصبية والخطاب الطائفي والفئوي ، وسمح للدول الأخرى بالتدخل في الشأن الداخلي وإختراق السيادة والعنف الطائفي ( ولغز ) دخول عصابات داعش ، ثم إنتشار المخدرات بكل أصنافها واستمرار الصراعات السياسية بهدف المال والنفوذ وتمدد الفساد المالي والإداري في المؤسسات الحكومية بغطاء ومساهمة قوى متنفذة أسهمت في هشاشة الدولة .
وبالرغم من أن التنوع المجتمعي يشكل علامة للجمال وإبهار لثقافة المجتمع ، فأن عوامل الخراب التي أخترقت الواقع خلال الأعوام المنصرمة ، أفضت الى التصدع والعنف والانقسام غير المرئي . مثلما حصل في لبنان ، حيث تدخلت فرنسا لحماية الموارنة ، وقام الإنكليز بحماية الدروز ، وحاولت روسيا القيصرية أن يكون لها حصة من خلال مساندة المسيحيين الأرثوذكس . بعد إنهيار السلطنة العثمانية ، قام الاستعمار الفرنسي والبريطاني بإنشاء كيانات ، كل كيان وطني ضم أشتاتاً من السكان منقسمة على أساس إثني أو طائفي بشكل يهيئ لتفجر النزاعات والصراعات بينها ، من مثل حرب 1860 بين الدروز والموارنة ، والعصبيات العشائرية في العراق ذات الطوائف المتعددة والتي تتقاتل على توسيع مناطق نفوذها ومكاسبها ، وكذلك الصراع العربي الكردي وسواه ( مصطفى حجازي / العصبيات وآفاتها ) .
مشهد سياسي
وقد أسهمت في الوقت الراهن القوى السياسية التي تسيدت المشهد السياسي في إستكمال المخططات الدولية والأقليمية في عمليات التناحر والتقسيم والتفتيت وفق أسس طائفية ودينية وقومية ، ليتقدم خطابها على الخطاب الوطني . فيما أسهمت وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي في عملية التصدع مستفيدة من حرية التعبير في تلك الوسائل التي تنتمي لمرجعيات دون وطنية ، وجدت في الانقسام مبرراً لتحقيق غايات أنانية .
إن تكرار الاحداث في البلدان ، لتشابه البيئة الاجتماعية والمكونات ، أدى الى وقوع التدخلات من قوى إقليمية ودولية جديدة مع استمرار ذات الذرائع ، مثل الإيرانية لحماية الشيعة ، والخليجية والتركية لحماية السنة ، والأمريكية لحماية الاكراد ودول أخرى لحماية مصالحها وتوكيد حضورها ، في بلد يعيش مرحلة إنتقالية ، ونظام جديد ، وقوى سياسية تتماهى مع مخططات تلك الدول ، وفي الوقت عينه تردد مقولة ( التكاذب الوطني ) .
وهذهِ التدخلات لم تظهر خلال العقدين المنصرمين ، وإنما جذورها تعود الى عقود وربما قرون من الزمن ترسخت في ذهنية غالبية المجتمع . لاعتقاد السكان بأهميتها لحمايتهم وفق منطلقات مذهبية وأن أهل العراق لا يعدون الإيرانيين أو العثمانيين أو غيرهم أجانب غرضهم الاستيلاء على خيرات البلاد ، بل كل فريق ينظر الى الدولة التي هي من مذهبة كأنها الدولة المنقذة . ( د . علي الوردي / دراسة في طبيعة المجتمع العراقي ) .
قوى خارجية
إن تشابه البيئة وأدواتها من قوى خارجية وداخلية ، لا تكون بالضرورة متماثلة لاحداث وقعت وأخرى تقع في الحاضر والمستقبل من دون تواطؤ القوى الفاعلة في الدولة والمجتمع . لذلك يتوجب على الأحزاب الوطنية ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام المستقلة بوصفها منابر لاشاعة الوعي في الرأي العام الى تحدي تلك القوى السياسية المتنفذة ، لكي لا يتكرر التاريخ ، بالتحدي والشجاعة ومحاكاة تجارب الدول الناهضة والزاخرة بتنوع مكوناتها وثقافاتها باستثمار الرأسمال البشري الذي يشكل الخطوة الأولى للبناء والتقدم والوحدة .