الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
كتاب العراق العثماني للمستشرق ديني دو ريفوار

بواسطة azzaman

 كتاب العراق العثماني للمستشرق ديني دو ريفوار

رحلة عبر الزمن في ضفاف دجلة والفرات

خولة العكيلي

 

يقدم الرحالة الاجانب مادة دسمة عن المجتمع بشكل عام من خلال دراسة تحليلية ونقدية تكشف السلوكيات والانماط التي كانت سائدة في حقبة زمنية محددة .وفي زمنٍ تبدو فيه الجغرافيا السياسية للعراق في القرن التاسع عشر غارقة في الغموض والأحداث المنسية يأتي كتاب (العراق العثماني ) رحلة ديني دو  ريفوار إلى بغداد ومدن الفرات المهملة ليزيح الغبار عن ماضٍ مفعم بالتحولات من خلال  الترجمة التي قدّمها  رائد الخيون وهي تمثل إعادة بعث لذاكرة نهرين وشهادة نادرة على عراق كان ذات يوم ملتقى قوافل التجار وموطئ أقدام المستعمرين والمستشرقين.

وثيقة بصرية

الكتاب الذي صدر عام 1884 في باريس  يُعد وثيقة بصرية وروحية تسبر أغوار بلاد ما بين النهرين من منظور مسافر أوروبي حمل في جعبته الدهشة والاستغراب ورؤية استعمارية لا تخفى خلف ملاحظاته الجغرافية والاجتماعية.

 المترجم رائد الخيون  حرص ان يكشف للمتلقي عن مشاهدات الرحالة الفرنسي دني دو ريفوار في بغداد ومدن الفراتين في القرن التاسع عشر بترجمة كتابه هذا وهو عبارة عن دراسة تاريخية وجغرافية لبغداد والمدن المطلة على نهري دجلة والفرات وعن سكان وعشائر تلك المناطق في الوقت الذي كانت فيه المعرفة الاوربية عن الشرق الاوسط بتوسع دائم . ينطلق ريفوار في رحلته من البصرة  راكبًا باخرة بلوس لينش  حيث يبدأ بوصف دجلة وصفًا حميميًا لا يخلو من المقارنات المتعالية التي درج عليها الرحالة الغربيون تجاه الشرق. لكنه، في الوقت نفسه، يقدّم ملاحظات دقيقة عن تقنيات الملاحة، تفاصيل العمارة، أنماط العيش، والأنماط السلوكية لسكان المدن، والقبائل المحيطة بالضفاف. يصف بغداد بأنها لم تعد مدينة الخلفاء لكنها ما تزال في نظره القلب النابض للسلطة والتجارة ويقارن مكانتها بتلك التي تحتلها باريس في فرنسا وفي العمارة المدينة التي لم تكن موجودة قبل خمسة عشر عامًا ينبهر  من ازدهار الأسواق يصوّر الحركة التجارية بين الجنوب وبغداد بدقة متناهية  يقرّب القارئ من واقع تلك الحقبة. تميّزت الترجمة التي أنجزها  الخيون بثراء هوامشها التي لا تكتفي بالتعريف بالمصطلحات أو تصحيح أسماء المواقع القبلية والجغرافية بل تسهم ببناء سياق تاريخي أشمل كاشفة عن التداخل بين رغبة المؤلف في الاكتشاف ونزوعه الاستعماري في توصيف الأرض والناس. يشير المترجم في مقدمة الكتاب الى  أن النص الأصلي كُتب على هيئة يوميات مما تطلب منه جهدًا استثنائيًا في التوثيق والتعليق لاسيما  أن ريفوار  كغريب عن المنطقة قدّم أسماءًا محرّفة لمواقع وقبائل مثل مزبان شيخ بني لام و قلعة صالح  التي يستعيد الخيون أصل تسميتها من التاريخ العثماني. الكتاب لا يقدم  صورًا حالمة عن الشرق بل يعرض لمزيج من الإعجاب والازدراء والاندهاش من الضيافة والاستغراب  من الكسل والتأمل في خراب نظم الري القديمة والحنين لماضٍ زراعي انتهى وهو بهذا يعكس بدقة رؤية الأوروبي للشرق في أوج الاستعمار  حيث الرغبة في السيطرة تتغلف بحب المعرفة. لكن في يد المترجم  يتحول هذا النص إلى وثيقة مزدوجة  تأريخ للمكان من منظور الآخر  وتفنيد لهذا المنظور من خلال الترجمة التفسيرية. رائد لا ينقل وحسب  بل يعيد بناء النص داخل بيئته الأصلية مستعيدًا الأسماء الحقيقية ومصححًا الصور المغلوطة.

نصٍ فرنسي

( العراق العثماني) هو سِفرٌ منسي يُعيد رسم ملامح العراق كما رآه الآخر  وكما يسعى ابن البلد إلى استرداده.

 إنه حوار بين زمنين بين مستشرق ومحلي بين نصٍ فرنسي تُرجم بأمانة، وبين ذاكرة عربية تُستعاد بشغف. هي رحلة في دجلة والفرات في الوعي في التصورات  وفي طبقات الطين التي ما تزال تخبئ تحتهما آلاف القصص. يذكر  الخيون في مقدمة الكتاب الى ان الدافع  لترجمة هذا الانجاز هو قلة المعلومات المتوفرة عن المجتمع العراقي في القرن التاسع عشر حيث عكف على البحث عن كتابات المستشرقين الفرنسيين الذين زاروا العراق وكتبوا عنه في تلك الفترة من خلال قرائته لكتاب ( العراق ) الجزء الاول للكاتب حنا بطاطو وجد ان عمل الرحالة ريفوار هو مصدر من مصادره  حيث يقول ( عندما بحثت عن كتاب العراق العثماني لم اجد ترجمة عربية الامر الذي شجعني لترجمته وتقديمه للباحثين والمهتمين بتاريخ البلد .

ريفوار  اعتمد اسلوب كتابة اليوميات  في توثيقه للاحداث وافتقر الكتاب الى الهوامش لتوضيح الشخصيات والاحداث لذا  فالامر تطلب مني جهدا كبيرا في البحث والتقصي لتوضيح ونقل المعلومات بشكلها الصحيح لاسيما وان المؤلف غريبا عن  تلك المدن التي زارها فقد كان هناك غموض في نقل بعض التفاصيل ،  لاجله ذهبت الى اضافة هوامش كثيرة واحياننا مفصلة املا في رفع مستوى الكتاب تاريخيا لدى المتلقي لاسيما الباحث . المؤلف ذكر أسماء بعض الأماكن والقــــــــــــــبائل بشكل مغلوط أو حسب فهمه لنطق الكلمة بالعربي لذا تم تثبيتها كما هي في الفرنسية ليطلع عليها ألمهتم) . واكد رائد  ان الكتاب يمثل وجهة نظر المؤلف الشخصية .  العمل  صدر عن دار المرهج للطباعة والنشر  يتكون من 323 صفحة موزعا على اربعة عشر فصلاً  .


مشاهدات 283
الكاتب خولة العكيلي
أضيف 2025/09/28 - 3:09 PM
آخر تحديث 2025/10/02 - 10:10 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 263 الشهر 985 الكلي 12040840
الوقت الآن
الخميس 2025/10/2 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير