أضرار لحقت وستلحق بالعراق من جراء السدود
راجي العوادي
من المعلوم ان انشاء السدود التركية ستقلل الايرادات المائية الداخلة للعراق , فنقصان كل مليار م3 من المياه التي تردنا من تركيا تؤدي تقريبا الى نقصان 1.6مليون دونم من الاراضي الزراعية .. توقع كم تكون الخسارة بالأراضي في حال فقدان 9 مليار م3 من المياه , كما هو الحال؟ ولولا تعويض المياه المحجوبة من سد الموصل وبحيرة الثرثار المالحة وسد حديثة لكانت هناك مشكلة كبرى ليست في الارواء بل في استخدامات الماء للشرب , لكن الامر لم يدم طويلا ، لان الخزن لم يبقى منه الا 10 مليار م3 .
ان الامر لم يقتصر على قلة الايرادات المائية فحسب بل تعداها الى تردي نوعية المياه الداخلة الى العراق نتيجة الملوحة والمياه الراجعة والسموم اذ بلغت معدلات الملوحة نسبة 1800 ملغ لتر بعد ان كانت بحدود 375 ملغم/ لترعام 1987 (حيث المعدل الدولي المقبول هو 800 ملغ لتر) لهذا ارتفعت الملوحة في الاراضي الصالحة للزراعة .
لقد تأثرت محطات الطاقة الكهربائية نتيجة انخفاض منسوب المياه، ومحطات اسالة الماء على ضفاف نهري دجلة والفرات .
ايرادات مائية
ان حجب مياه النهر المتدفقة من تركيا بمعدل 9 مليار م3 سنويا أي 40بالمئة من الايرادات المائية خلال اشهر الصيف بسبب ري 121 ألف هكتار من الاراضي التركية خلال هذه الأشهر
في دراسة اجراها معهد النشر الرقمي المتعدد التخصصات”،MDPI، في باسيل، سويسرا في آذار 2020 على تاثير سد إليسو على سد الموصل قيّموا فيها أسوا الحالات التي يمكن ان يصل اليها سد الموصل فاستنتجوا التالي:
سينخفض متوسط التدفق السنوي المتوقع إلى حوالي 119 م3/ ثانية أي انه سينخفض الى 22بالمئة من متوسط التدفق السنوي للثلاثين سنة الماضية (553 م3/ ثانية) وهذا عمليا سيخرج سد الموصل من الخدمة.
سيبلغ معدل التدفق التراكمي للعام بأكمله في حوالي 4.6 مليار م3 أي أكثر بقليل من ما يسمى بـ “المخزون الميت” في سد الموصل وتمثل 42بالمئة من طاقة تخزين السد التي تصل الى 11 مليار م3ازدياد نسبة الملوحة في مساحة اراضي تقدر 600-700 الف هكتار من أجود الأراضي الزراعية وزيادة الأراضي الجرداء المتصحرة بـ 3 ملايين دونم في الوسط والجنوب حسب الخبراء، لذا سيتسبب بخروج 25-35بالمئة من الأراضي الزراعية من الخدمة.ان نسبة قد تصل الى 5 ملايين عراقي ستضطر الى الهجرة الى المدن او الدول المجاورة طلبا للرزق بسبب شح مياه الشرب والتصحر.
انخفاضٍ كبير في إنتاج الطاقة الكهرومائية، بسبب تـأثر محطتي سـد الموصـل وسد سامراء، اللذان سيتعذر عليهما إمداد المصانع ومحطات ضخ المياه وبقية المؤسسات الأخرى بما تحتاجه مـن طاقـة ضـرورية لتشغيلها.
وهنا لا بد لنا من التساؤل: كيف سمحنا للأمور أن تسوء الى هذه الدرجة، فيصبح أمننا المائي مهدداً بهذا الشكل ؟ ويهدد حياة الملايين من شعبنا معه؟ وهل ما يوحي بوقف هذا النزف ومواجهة هذا الخطر الوجودي على امتنا.؟ لذا يجب ان نعتمد استراتيجية الأمن القومي المائي:
السعي عبر جامعة الدول العربية لقيام جبهة عربية فعالة للدفاع عن المياه العربية في الهلال الخصيب ووادي النيل، وذلك بربط اي تعاون اقتصادي عربي مع دول المصدر بحل مشكلة المياه. مصر هي الأخرى دولة مصب وهي تواجه نفس مشكلة العراق وسوريا مع دولة المصدر أثيوبيا بالنسبة لسد النهضة لذلك فالتنسيق والتحالف معها يخدم مصالح مصر ودول الهلال الخصيب.
التعاون مع الجمعيات البيئية والاجتماعية العالمية التي تعارض المشاريع التركية على دجلة, هذه الجمعيات استطاعت ان تضغط على حكوماتها الاوروبية لقطع الدعم المادي عن مشروع اليسو , فأوقف الاتحاد الاوروبي التمويل وجُمد العمل فيه منذ في 2008.اذا استمر الاتراك ببناء السدود وخاصة سد جزرة القاتل للعراق واستمر التعنت التركي برفض توقيع اي اتفاقات مع العراق,
الاستثمار بالطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية والهوائية داخليا والابتعاد تدريجيا عن استعمال السدود لتوليد الطاقة واستعمال المياه للري والحاجات الانسانية فقط.
البدء بحملة اعلامية كبيرة في دول المشرق لتوعية الشعب على المخاطر المحدقة به في حال موت دجلة والفرات, كذلك يجب التصدي لبعض التفاسير المغرضة للاحاديث النبوية التي تجعل الشعب يعتبر موت الفرات ودجلة ارادة الهية ولا يمكن التصدي لها. من هذه الاحاديث قول أبي هريرة: ” قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى يحسِر الفرات عن جبل من ذهب)
امن مائي
ربط التبادل التجاري مع تركيا بحل مشكلة المياه فليس من المنطق ان يتهجر شعبنا ويخسر اقتصادنا ملايين الدولارات بسبب قلة الماء ونكافئ الجاني بفتح اسواقنا له ليجني المليارات كل عام. عدم ربط التبادل التجاري بالأمن المائي، يشبه الى حد كبير ما فعلته السلطة الفلسطينية وعرب ما يسمى “الاعتدال” مع اسرائيل عندما قدموا التنازلات وتوقعوا بالمقابل ان تترحم اسرائيل وأميركا عليهم فتعيد الحقوق الفلسطينية المسلوبة، لكن الامور تدهورت عاماً بعد عام الى ان وصلنا الى ما وصلت اليه اليوم.
اذا لم نتفع كل هذه الخطوات فلن يكون للعراق أي خيار غير قطع العلاقات بشكل كامل مع تركيا واعتبارها عدواً وبذلك استخدام الدولة والشعب لكل الوسائل المتاحة وعدم استثناء أي خيار مهما كان صعبا للدفاع عن الحضارة والتاريخ والوجود والمستقبل.أمامنا فرصة وربما الاخيرة لمواجهة هذه الخطر الوجودي فإذا لم نكن بمستوى المسؤولية ونواجه شريعة الـ”غاب” التركية موحدين فنحن قادمون على مشاهد كثيرة من “الصيف الجاف” يتناحر فيها شعبنا على الفتات. هذا وعلى المدى البعيد سيؤدي الى نكبة لشعبنا في الشرق العراقي شبيهة بنكبة شعبنا في الجنوب الفلسطيني، وسيتحول هلالنا الخصيب الى هلال نضيب، يصبح فيه العراق واجزاء كبيرة من سورية امتداداً لصحراء الجزيرة العربية.
ان ما ذكرناه اعلاه ليست اقوالاً للترهيب، ففي تقريرين منفصلين للمنظمة الدولية للبحوث ولمنظمة المياه الاوروبية هذا العام استنتجوا فيهما موت نهري دجلة والفرات في العراق في العام 2040 بسبب السدود التركية , كذلك العالم الياباني، أكيو كيتوه، من معهد متيولوجيكل للابحاث في اليابان، الذي يدرس تحولات الطقس وتأثير السدود التركية، توقع زوال “الهلال الخصيب القديم في هذا القرن والعملية قد بدأت صفحتها الماسوية.
□ دكتوراه في ادارة المياه والتربة – عضو جمعية المياه الاسترالية 2008-2010