الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
إتفاقية الدفاع السعودي الباكستاني.. ملامح ناتو إسلامي قيد التشكل

بواسطة azzaman

إتفاقية الدفاع السعودي الباكستاني.. ملامح ناتو إسلامي قيد التشكل

ناجي الغزي

 

توقيع اتفاقية استراتيجية للدفاع المشترك بين السعودية وباكستان يشكل حدثاً مفصلياً في مسار العلاقات بين البلدين اللذين يرتبطان تاريخياً بتحالف وثيق قائم على النفط، والدعم العسكري، والاستثمارات المتبادلة. الجديد هنا أنّ الاتفاق لا يقتصر على التعاون الثنائي، بل يحمل ملامح مشروع أوسع يمكن أن يتحول إلى بذرة «ناتو إسلامي»، خصوصاً أنّ وزير الدفاع الباكستاني سبق أن دعا صراحة إلى قيام تحالف عسكري إسلامي شبيه بحلف الناتو لمواجهة التهديدات المتصاعدة في المنطقة.

باكستان، بما تمتلكه من قدرة نووية وصناعات عسكرية متنامية وعلاقات وثيقة مع الصين، تمنح أي اتفاق عسكري معها بُعداً ردعياً لا يستهان به. أما السعودية فهي العمود الفقري للعالم الإسلامي من حيث الثقل السياسي والمالي والديني، ما يجعل هذا الارتباط ذا قيمة رمزية وعملية في آن واحد.

أما واشنطن لم تعلّق بعد رسمياً، ليس جهلاً بالاتفاق، بل لإدراكها حساسيته، فهي بحاجة لوقت لتنسيق موقفها مع إسرائيل، وموازنة مصالحها بين جنوب آسيا والشرق الأوسط، خصوصاً بما يتعلق بالحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي.

رد الفعل الأمريكي والإسرائيلي

1- الولايات المتحدة:  واشنطن تراقب عن كثب الاتفاقية العسكرية بين الرياض وإسلام آباد، معتبرة إياها تهديداً لمصداقية الضمانات الأمريكية التقليدية في الخليج وقدرتها على التحكم بأمن المنطقة. التحالف المستقل قد يمنح الصين موطئ قدم استراتيجي عبر باكستان، ما يدفع الولايات المتحدة للجوء لضغوط دبلوماسية وحوافز أمنية وصفقات سلاح لإبقاء الرياض ضمن المدار الأمريكي.

الرئيس الأمريكي اعترف سابقاً بخسارة الهند بعد أزمة الرسوم الجمركية التي دفعت نيودلهي للتقارب مع محور الصين- روسيا - كوريا الشمالية. اليوم، يواجه البيت الأبيض تحدياً مماثلاً مع تحرك سعودي - باكستاني، أي مع قوة نووية إسلامية، ما يطرح سؤالاً حول ميل حلفاء واشنطن التقليديين نحو الشرق بعد تراجع الالتزام الأمريكي المباشر بالمنطقة منذ انسحاب القوات من العراق. من منظور أمني، ثمة قلق على بنية الردع الإقليمية ومخاوف من مظلة مستقلة قد تقلص التفوق النوعي لإسرائيل. لذلك، يُنظر إلى التقارب السعودي الباكستاني في واشنطن وتل أبيب كجرس إنذار مزدوج، يستدعي إعادة تقييم دقيقة للتوازنات الاستراتيجية.

2- إسرائيل: تعتبر الاتفاقية تهديداً مزدوجاً لها، أولاً: دخول باكستان كقوة نووية في المعادلة الإقليمية، وثانياً: ظهور خطاب (ناتو إسلامي) قد يُنظر إليه كتحالف موجه ضدها. لذلك ستسعى تل أبيب على الأرجح لتوظيف واشنطن لاحتواء المشروع قبل أن يتبلور، مع اعتماد استراتيجية وقائية تشمل تعزيز قدراتها الاستخباراتية وتحريك الرأي العام الدولي لتصوير الاتفاقية على أنها تحالف غير عملي أو متطرف.

في المنظور الإسرائيلي، هذه الشراكة تمثل بداية محور نووي عربي محتمل، ما يزيد من ضغوط العزلة الدبلوماسية في وقت تتفاقم فيه الانتقادات الدولية لممارساتها في غزة والضفة الغربية. بالتالي، تسعى إسرائيل لتفريغ الاتفاق من محتواه الاستراتيجي قبل أن يصبح عنصراً واقعياً يعيد رسم خرائط الردع في المنطقة.

السيناريوهات المتوقعة للمنطقة

سيناريو التحالف المتدرج: بدء الاتفاق كتعاون ثنائي سعودي باكستاني، ثم انضمام تدريجي لدول خليجية مثل الإمارات وقطر، وربما لاحقاً مصر وتركيا والعراق. هذا السيناريو هو الأكثر واقعية على المدى القصير، حيث تنشأ تدريبات عسكرية مشتركة وقواعد لوجستية، دون إعلان رسمي عن «ناتو إسلامي» كامل.

سيناريو التوسع الأيديولوجي: مع تصاعد الخطر الإسرائيلي أو ضغوط أمريكية على دول المنطقة، قد تتجاوز بعض الدول خلافاتها الأيديولوجية. وإمكانية تقارب السعودية وإيران عبر هذا الإطار الأمني ليست مستحيلة، خصوصاً بعد التفاهمات الأخيرة برعاية صينية. في هذه الحالة يصبح الحلف أكثر شمولية ويكتسب ثقلاً جيوسياسياً هائلاً.

سيناريو العرقلة: ضغوط أمريكية إسرائيلية قوية قد تؤدي إلى تجميد المشروع أو حصره في إطار رمزي. بعض الدول الخليجية قد تتردد خوفاً من خسارة الغطاء الأمني الأمريكي، ما يجعل التحالف محدود التأثير.

دور الصين واحتمال المظلة الآسيوية

الصين لاعب محوري في هذا المشروع المحتمل، علاقتها الاستراتيجية مع باكستان تمثل (الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني) تجعلها المستفيد الأكبر من تحالف إسلامي قادر على تأمين خطوط الطاقة. ومن هنا تدعم بكين أي تحالف يقلل من نفوذ واشنطن في الخليج، وقد تعرض مظلة دبلوماسية وتسليحية واقتصادية لضمان استمرارية المشروع. لكن الصين غالباً ستبقى في الخلفية، مفضلة لعب دور الراعي غير المعلن لتفادي مواجهة مباشرة مع أمريكا.

المنطقة أمام لحظة سيولة خطيرة

الغياب شبه التام للقانون الدولي، وانكفاء الأمم المتحدة عن القيام بدورها، جعلا الشرق الأوسط يعيش حالة (سيولة استراتيجية) غير مسبوقة. هذه السيولة تُترجم في شكل تحالفات جديدة، اصطفافات مفاجئة، وردود فعل قد تتجاوز التوقعات. وفي هذا السياق، يبدو أن الاتفاقية السعودية الباكستانية ليست مجرد تفاهم ثنائي، بل علامة فارقة في مسار يعيد رسم خريطة الأمن الإقليمي من جديد.

لذلك قرأت السعودية المشهد بوعي استباقي، بعد أن ربطت موقفها من التطبيع مع إسرائيل بوجود دولة فلسطينية. لكنها، في موازاة هذا المسار السياسي، بدأت تبني خطاً موازياً، وذلك من خلال تصليب قوتها العسكرية عبر اتفاقيات استراتيجية من العيار الثقيل. الجمع بين المسارين، السلام كخيار استراتيجي، والدفاع المشترك مع باكستان كضمانة ردع، يخلق ديناميكية جديدة في المعادلة الإسرائيلية الداخلية، ويفرض على تل أبيب إعادة التفكير في جدوى سياساتها الحالية.

مقارنة الناتو الاسلامي بالناتو الأوربي

مقارنة بحلف الناتو الأوروبي، يتضح أن فكرة (ناتو إسلامي)  تواجه تحديات جوهرية. فالناتو وُلد عام 1949 في سياق تهديد سوفيتي مباشر وغطاء أمريكي واسع، ما منح الحلف شرعية وإرادة جماعية صلبة. أما العالم الإسلامي، فمشهده أكثر تعقيداً بسبب الانقسامات الأيديولوجية والتنافس التاريخي بين السعودية وإيران، وتباين أولويات الأمن بين دول الخليج وباكستان وتركيا، مما يصعّب تحديد عدو موحّد. يضاف إلى ذلك غياب البنية المؤسساتية المشتركة. لا منظومة عسكرية موحدة، ولا آليات صنع قرار جماعي، ولا إطار اقتصادي قادر على تحمل كلفة المشروع. لذا، أي تحالف دفاعي إسلامي يحتاج إلى إرادة سياسية نادرة التوافق، وتمويل ضخم، وتهديد خارجي موحّد لإطلاقه. ومع هذه الصعوبات، يظل المشروع ممكناً إذا نجحت الدول في إعادة بناء الثقة وتجاوز الانقسامات، ليصبح منظومة ردع استراتيجية للعالم الإسلامي.


مشاهدات 217
الكاتب ناجي الغزي
أضيف 2025/09/20 - 11:28 AM
آخر تحديث 2025/10/01 - 10:08 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 124 الشهر 846 الكلي 12040701
الوقت الآن
الخميس 2025/10/2 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير