فات أوان كلّ شيء
فاتح عبدالسلام
لكل شيء عمر افتراضي واضح منذ الانطلاق في خط الشروع، وهذا الامر في العراق غير موجود تقريبا، وكل شيء مرتبط بأولويات الصُدَف، فالصدفة التي يتوافر لها تمويل معين تتحول مشروعاً، وهناك مخططات كثيرة لم ترَ النور لأنها لم تحظَ بالصدفة السعيدة بعد.
لقد فات الأوان على صنع ما ينبغي صنعه في اكثر من اثنين وعشرين عاما، وانّ كل “طبقة دورية” في السلطة تلعن التي قبلها وتبزّها وتعلن انها الأنقى والأعلم والأحسن والمنقذ البديل، حتى تأتي الطبقة التي تلعنها تحت سقف السنوات الأربع.
لقد فات أوان أن يكون للعراق منظومات توليد كهرباء ذاتية ومستدامة، ولو شرع العراق ببناء مفاعلات نووية لتوليد الطاقة كما في أوربا لكان البلد ينعم بالنور الذي لا ينقطع، لكن الغارقين في ظلام الصفقات وبيع المناصب في المزاد المظلم وتحت الستار الثقيل من الوهم الذي يظنون أنفسهم تحت خيمته غير مكشوفين، هؤلاء لن ينتجوا لأنفسهم أو للشعب نوراً يضيء حياتهم.
ويبدو انّ الوقت قد فات فعلا على بناء جيش لائق بقدراته لاسم العراق أو لمحيطه الإقليمي، وكما قال كاشف الحقائق رئيس البرلمان العراقي قبل أيام بشأن فقدان العراق إمكانية الدفاع عن اجوائه وان أي عدو يستطيع ان يقصف ما يشاء من الأهداف في البلد من دون رد، يؤكد حقيقة ان خطة بناء الجيش غائبة او انها من الممنوعات التي لم تكترث الحكومات لها أساسا وسط مشجعين متحمسين لنشوء قوات رديفة للجيش أو الاعتماد على الاخرين.
كذلك فات الأوان بعد عقدين من الزمان على قيام صناعة في البلاد، وانّ المصانع الصغيرة أو حتى الكبيرة المتآكلة بالتقادم الزمني لا تستحق وجود مسمى شكلي هو وزارة الصناعة.
كما انّ أراضي البلاد تجف وانهارها مصابة بفقر مائي رهيب والسدود خاوية والاهوار ليس فيها سوى أصوات استغاثات الجواميس العطشى التي لا يسمعها أحد. وبعد ذلك يأتي من يتحدث عن حصة منصب وزارة الزراعة او وزارة الموارد المائية.
يبدو واضحا ان البلد فقد هويته في قيام الخدمات الى غير رجعة وان المتداول الحالي هو ابسط أنواع الاستهلاكيات التي ستنتهي من حالها في حال اللعب الثقيل مع الولايات المتحدة التي تهدد علنا بفرض عقوبات اذا خرج العراق عن السكة الى سكة مجاورة أخرى.
بدل أن نقضي عشرين سنة من لعن أمريكا “ التي ليس من حق أحد لعنها سوى الشعب المتضرر وليس السياسيين المستفيدين منها” أقول بدلا من لعنها كان ينبغي ان نتفاوض معها لكي توقد شمعة الكهرباء او شمعة التسليح الأمريكي المتفوق. غير انّ الوقت قد فات وليس متاحا لاحد انتظار عقدين مقبلين بنفس الوعود الكاذبة والعقلية السطحية، فالفرص لن تعود، ومن ظنّ انه سيستمع الى الأبد بامتيازات من دون واجبات إزاء التاريخ والشعب معاً، سيدفع الثمن مرة واحدة وبشكل مفاجئ.