أزمة التقاعد في العراق: تحويل الأموال إلى الإقليم وانهيار الأمان التقاعدي*

ضياء واجد المهندس

 

1. خلفية الأزمة والواقع المالي الراهن

 

تُشكّل الرواتب والمعاشات أكثر من 40 ٪ من ميزانية العراق، وهي قطاع «مقدس يُدفع مهما كلّف الأمر» لضمان الاستقرار الاجتماعي .

 

مع انخفاض أسعار النفط، تتعرض الموازنة لضغوط كبيرة: الحكومة أنفقت نحو 90 تريليون دينار (69 مليار دولار) على الرواتب والمعاشات ضمن ميزانية 2024 التي بلغت 211 تريليون دينار، بفجوة مالية تقدر بـ 64 تريليون دينار .

 

2. أثر تحويل أموال التقاعد مؤقتًا إلى الإقليم

 

قرار الحكومة بتحويل أموال التقاعد إلى الإقليم انتظارًا لوصول عائدات النفط من أمريكا يخلق حالة من انعدام الأمن التقاعدي ويهدد حقوق المتقاعدين، خصوصًا وأن هذه الأموال هي نتاج جهد الموظف.

هذا الإجراء يعكس ضعف وجود “قادة ورجال اقتصاد حقيقيين” قادرين على حماية الأموال العامة وحقوق المتقاعدين، ويُذكّر بمراحل ما قبل الدولة الحديثة حين لم تُتخذ مثل هذه القرارات الإشكالية.

 

3. الحلول المقترحة – لماذا “مصرف المتقاعدين” وفكرة الصندوق المقفل؟

 

المقاربة المقترحة تتمثل في إنشاء مؤسسة مصرفية خاصة “مصرف المتقاعدين” تكون في الحقيقة صندوق تقاعد بمرفقات استثمارية، تحفظ الأموال وتستثمرها لاستدامة الصرف دون تدخل حكومي طارئ.

وهو طرح يتماشى مع توصيات المؤسسات الدولية لإصلاح أنظمة التقاعد في العراق.

 

4. ثغرات النظام الحالي: تقريرات المراجع الدولية تكشف الواقع

 

صندوق الضمان الاجتماعي الحالي عرضة للإفلاس، ويُحتمل أن يحتاج إلى دعم سنوي يتجاوز 3 ٪ من الناتج المحلي دون إصلاحات هيكلية .

 

المؤسسة الدولية للعمل (ILO) تصف نظام التقاعد في العراق بـ “المجزأ، غير العادل، وغير الفعّال”، ويتوقع أن تبقى تكلفة الأنظمة التقاعدية قريبة من 4 ٪ من الناتج المحلي لثمانية عقود قادمة .

 

5. ما تطرحه المؤسسات الدولية: خارطة طريق للإصلاح

 

تقرير مشترك من IMF وILO والبنك الدولي يوصي بـ:

 

إصلاحات معيارية (Parametric) مثل رفع سن التقاعد، تخفيض نسب عوائد التقاعد (accrual rate)، وضبط استحقاقات المعاشات التقاعدية لتحقيق استدامة مالية .

 

إصلاحات مؤسسية تتضمن دمج وإعادة تنظيم صناديق التقاعد لتقليل التجزئة وتحسين إدارة الموارد واستثمارها وفق معايير شفافية وكفاءة، مما يقل أنّ الدعم الحكومي المطلوب إلى نحو 1 ٪ من الناتج المحلي على المدى الطويل بدلاً من 4 ٪ في السيناريو الحالي .

 

6. إمكانات الحلول الإقليمية: خطوات إيجابية نحو التوحيد

 

رئيس الوزراء أرسل توجيهًا لإنشاء “منصة تقاعد موحّدة” تشمل تنويع استثمارات صندوق التقاعد، والاستعانة بخبراء لبناء خطة استراتيجية إلكترونية وخدمية تشغل بكفاءة عالية .

 

كذلك، يجري حالياً حوار بين بغداد وإربيل لتوحيد أحكام ومعاشات المتقاعدين في الإقليم مع بقية المحافظات .

 

7. خلاصة الأحصائيات وما يمكن استخلاصه

 

البند النسبة / الرقم

 

نسبة الميزانية للرواتب والمعاشات 40 ٪

تكلفة الرواتب والمعاشات (2024) 90 تريليون دينار

الكلفة المتوقعة للنظام التقاعدي (بدون إصلاح) لـ GDP سنويًا قريب من 4 ٪ لعقود طويلة

الهدف بعد الإصلاحات تقليل الدعم الحكومي إلى نحو 1 ٪ من GDP

نسبة تمويل صناديق التقاعد العاملة حاليًا تغطية حوالي 3.2 مليون مساهم مقابل مليون متقاعد، بنسبة مساهمين إلى متقاعدين 3.21

الخلاصة والتوصيات

الخطأ الجوهري هو تحويل أموال المتقاعدين – المكّن من الموظفين – إلى جهة أخرى حكومية تحت مظلة «الاحتياج المؤقت»، مما يُضعف الثقة بالكيانات الحكومية ويدخل القطاع التقاعدي في دوامة غير تساهمية وغير مستقلة.

إنشاء صندوق مستقل أو “مصرف المتقاعدين” بقواعد استثمارية واضحة يدعمه إطار تشريعي وتقني مستقل، خطوة ضرورية نحو ضبط الحقوق وتحقيق الأمن التقاعدي.

خيار الدمج المؤسسي والمعياري للإصلاح، كما أوصت به المؤسسات الدولية، يطمح لتحقيق استدامة مالية وعدالة بين المتقاعدين والعاملين، مع تقليل العبء الحكومي بعيدًا عن الأزمات الطارئة.

مطلوب حوار سياسي ومجتمعي جاد: لحماية المكاسب، وتنويع استثمار أموال التقاعد، وتفعيل بنية مؤسسات مستقلة ومواجهة التجزئة والتدخلات غير المبررة.

في الختام، ما يجري هذا الشهر من تداعيات لتحويل الأموال يظهر حاجةً ملحّة لوضع نظام تقاعدي مستقل، عادل، ومستدام، بعيدًا عن الحسابات السياسية قصيرة الأمد. التحدي أمام الحكومة هو إعادة بناء الثقة وحماية حقوق المتقاعدين بما يتماشى مع المصلحة الوطنية والمبادئ الدولية.

 

 

رئيس مجلس الخبراء العراقي