أي إنتخاباتٍ تنتظرنا؟
طه خضير الربيعي
في كل دورة انتخابية، يُعادُ عزفُ لحنٍ قديمٍ متهالك، يحاول السياسيون إلباسه ثوبًا جديدًا، لكنه ما يفتأ أن ينكشف عند أول ضوء. منذ سقوط الدكتاتوريات، وما تبعها من فوضى الدوريات الطائفية والميليشيوية، لم نغادر بعدُ مربّع الولاءات الضيّقة والمحاصصات الصارخة. كأنَّ البلاد محكومةٌ بأن تتعثر دائمًا عند أول اختبارٍ للديمقراطية، وتُجهضُ آمالها عند عتبات صناديق الاقتراع.
تمرُّ السنوات وتتبدّل الوجوه، لكن البيوت نفسها، تلك التي بُنيت على أسس المحاصصة والتفاهمات الخفية، تظلّ قائمة، راسخة كأنها قدر لا فكاك منه. تُخاض الانتخابات، لا على أساس برامج سياسية ناضجة أو رؤى إصلاحية جادة، بل على وقع التحشيد الطائفي، واستدعاء الخوف من الآخر، وتوزيع الوعود كما تُوزّع الصدقات في موسم العوز السياسي.
الناخب، ذلك المواطن المثقل بالخذلان، يقف كل مرة بين سندان الواقع المرّ ومطرقة الخيارات المكرورة. لا يجد في أوراق الاقتراع ما يشبه حلمه بدولة عادلة، ولا يسمع في شعارات المرشحين إلا صدى صراخ الأمس، حين كانت الدماء تسبق الكلمات، وتُقايض الكراسي بالأرواح.
أما الأحزاب، فقد أتقنت لعبة التمويه. لبست أثواب التغيير، ورفعت رايات الإصلاح، لكنها، حين يحين وقت الحقيقة، تعود أدراجها إلى غرف المحاصصة، تتقاسم المناصب كما تُقسَّم الغنائم بين المنتصرين، دون أدنى اعتبار لصوت الناس، ولا لدماء من سقطوا في الميادين بحثًا عن وطنٍ لا يُباع في أسواق النفوذ.
وهكذا، تدخل البلاد دورة انتخابية جديدة، ليس بصفتها لحظة تجديد، بل كفصلٍ آخر في رواية مستهلكة، يتكرّر فيها كل شيء إلا الأمل. فالأسئلة الكبرى لا تزال معلّقة، والإجابات مؤجلة، والديمقراطية تُستخدم كقناع شاحبٍ تُخفى تحته صفقات لا تمرُّ عبر صناديق الاقتراع، بل تُطبخ في مطابخ السياسة المغلقة.
فهل ستكون الانتخابات المقبلة خروجًا من هذا النفق؟ أم سنظل نراوح في أماكننا، ننتخب من لا يُمثّلنا، ونُصفّق لمن خذلنا، ونعيش وهم التغيير في بيوتٍ لا تعرف إلا لغة المحاصصة؟
ربما لا خلاص إلا بإرادة شعبية ترفض أن تُختزل في استفتاءٍ شكلي. إرادة تُعيد تعريف السياسة لا بوصفها وسيلة للهيمنة، بل كخدمةٍ نبيلة لكرامة الإنسان. عندها فقط، يمكن أن تُكتب الانتخابات بماء الأمل، لا بحبرِ الخديعة.