دخان من دون نار أم بالعكس؟
فاتح عبدالسلام
توجد في معظم دول العالم مجسّات قياس للرأي العام في الشارع، وهي أساليب قديمة كانت مراكز أبحاث وأجهزة حكومية وأمنية تضطلع بها قبل الانفجار التكنولوجي والمعلوماتي ووصول أي فرد الى منصات التواصل الاجتماعي بسهولة. غير انّ هناك تعاطياً سلبياً في كثير من الدول العربية مع التواصل الاجتماعي في رصد الناشطين الذين يقدمون محتويات سياسية معادية لأحزاب وشخصيات وحكومات، وهذا الجانب من حق الدول متابعته لأسبابها الأمنية، غير انّ هامش الحرية الدستوري الذي تدعيه الدول يوفر للأفراد حق التعبير عن الرأي المخالف لما هو سائد بكل احترام ومهنية، وهذا لا تقبله الحكومات العربية في حين تقبله الديمقراطيات في العالم وتعده جزءً من أسلوب حياة المجتمع المتعدد.
هناك محتويات سياسية هابطة لا تفيد المعارضات، كما انها لا تضر الحكومات، وهذا النوع لابد من تصحيح مساره، وهنا يروي لي أحد الباحثين العراقيين في الغرب، انه وصل الى البلاد بدعوة من اجل محاضرات تخصصية لرفع مستوى المحتويات وجعل الدولة قادرة على التوجيه والتصحيح والتبني بدل الوقوف عند بند العقوبات فقط، لكنه اصطدم بوقائع أجبرته هو ذاته على مغادرة البلد.
يوجد اهمال وتقصير من الأنظمة السياسية في معاينة المواد الناضجة في التواصل الاجتماعي والعمل على الإفادة منها بشكل يعزز القوانين والتعليمات وسير العلاقة بين المواطنين والأجهزة الحكومية، فضلاً عن كشف الحقائق.
هناك قضايا رأي عام تنمو بالساعات والأيام على مواقع التواصل وتكون الحكومات غافلة عنها، وهي لديها فرص جيدة لتصحيح المسارات وفحص تلك القضايا، وعدم الركون للوزراء والنواب والطبقات السياسية المستفيدة فيما تذهب اليه فقط. وفي الاساس لو وجد المواطنون أبواب المسؤولين مفتوحة وعقولهم مستجيبة لكثير من القضايا واجبة التصحيح، لما لجأوا الى أساليب التواصل الاجتماعي أو الكتابة والاعتراض في الخفاء.
ليس عيباً، انه استناداً الى تيارات رأي عام في التواصل الاجتماعي أن تقوم الحكومات بمراجعة جدية لخططها، حتى لو كانت قد نالت رضا البرلمانات التي نعرف كيف تلعب بها الاهواء والمصالح.
هناك مثال حي، انه في اليمن حدثت حركة واسعة في التواصل الاجتماعي إزاء شبهات فساد حول الوديعة السعودية في البنك المركزي اليمني منذ العام 2018 الامر الذي جعل السلطات المعنية تتجه للتحقيق والتدقيق في صحة ما يقال، اذ أحياناً وليس دائما طبعاً، لا يوجد دخان من دون نار.
غير انّ القضية الأبرز في العراق هي مقتل الدكتورة بان في البصرة، إذ ثمة عدم توازن بين كلام رسمي مقتضب، وبين حركة رأي عام واسعة في التواصل الاجتماعي وصلت الى أعتاب المحكمة الجنائية الدولية.هناك حلقة مفقودة.. موجودة.
fatihabdusalam@hotmail.com