مرض النشر.. يجتاحنا
محمد صاحب سلطان
أحد الأصدقاء كتب في صفحته الفسبوكية، دعوة رقيقة بالسماح له لأخذ فسحة من الراحة وعدم التواصل لإيام بغية نيته السفر للعلاج، وقد وجدت من دعوته هذه بوابة لموضوع يهمنا جميعا، لمعرفة كم من ثقل ينوء به المرء جراء أجهزة التواصل، إذ لا بد أن يرد الفرد ويتابع ويناقش ويجيب ، وهذا هو بيت القصيد، فالكثير من الأصدقاء تراهم، يشعرون بالإحباط أو إتخاذ موقف معين تجاهك، ما لم ترد على ما ينشره، وكإنها حالة إسقاط فرض!، كثير منا يطرح أفكارا مختلفة عن قضايا متنوعة تشغل باله ويريد أن يعبر عنها، ولكن ليس بالضرورة أن تكون هذه القضايا، هي ذاتها تشغل بال آخرين، أو تحظى بذات إهتمام ناشرها، فيكتفي بالإطلاع من دون تعليق أو إشارة، لإسباب تخص وضعه في تلك اللحظة، وفي هذه الحالة، تعد جريمة لا تغتفر عند صاحب المنشور، ربما تودي إلى القطيعة التي تنتهي بالحذف والإقصاء!، فبعضهم يريد من الآخرين أن يتفاعلوا مع نتاجه، سواء أكان مقالة أم بوست أم إشارة أو حتى صورة لحيوان!، و(مرض النشر) إن جاز لي التعبير عنه، نراه يتسع ويتمدد كالنار في الهشيم كما يقال، لسهولة أدواته، حتى بات البعض ينشر كل شئ، إبتداءا من صحوة نومه مرورا بما صادفه وعاشه طيلة يومه، وصولا إلى اللحظات الأخيرة ما قبل الشخير؟، والأمر لا يختصر على حالات الصفحات الشخصية بل تعدى إلى المطالبة بالتفاعل والتعليق وإبداء الرأي في مواضيع تبث على الهواء مباشرة، عبر بصمات صوتية والمشاركة في برامج حوارية، ولو تمعنا في (أمراض) النشر الطائش بالوسائل الحديثة، نجدها تكمن في الإستعجال بالنشر على حساب الدقة، وهذا ما تقع فيه الكثير من الفضائيات والإذاعات والمنصات لإجل السبق الصحفي على حساب الدقة، مما يترتب عليه الكثير من إفرازات كارثة تداول الأخبار الكاذبة أو الناقصة المعلومة التي تظهر خلاف الحقيقة، كونها تقدم أجندة معينة، تبرز جانبا واحدا وتتجاهل الجوانب الأخرى، فتفرط في الإثارة من خلال تضخيم الأحداث، وصياغتها بإسلوب مفبرك لجذب الانتباه على حساب الموضوعية، وبعضها يأخذ جزءا من كلام شخص وإخراجه عن سياقه، مما يغير المعنى ويثير الجدل، أو في نشر صور أو مقاطع قديمة أو معدلة على إنها حديثة أو مرتبطة بحدث جديد، وهذا الأمر لم تسلم منه حتى لحظات الاسى والحزن عند الناس، وخير مثال ما نسب إلى الفنانة الكبيرة فيروز، بدعوى رثاء ولدها زياد الرحباني رحمه الله، من خلال إظهار جزء من ترتيل نشيد ديني، سبق وإن أدته قبل سنوات طويلة، مستغلين مظهرها الحزين وملابسها ونظارتها السوداء، وكلمة (ياولداه) في النشيد وكأنها ترثيه الآن!
كما إن أخطر أمراض النشر، هو التسرع في الإدانة الإعلامية و إصدار الاحكام على أشخاص أو جهات من دون سند أو دليل حقيقي، وما أكثرها في هذه الأيام، وربي سترك ،من قلب لايخشع، وعين لا تستحي، ولسان كالمنشار، من التقول لا يشبع!.