الدم المسفوك
ثامر محمود مراد
في زمن اختلطت فيه القيم وتحوّلت فيه الموازين، لم يعد القاتل وحده مسؤولاً عن الجريمة. ثمة قتلة آخرون يتخفّون وراء الكلمات، يبرّرون الدم المسفوك، يطعنون الضحية بعد موتها، ويبحثون عن ثغرة في شرفها كي يغسلوا أيديهم من عار المشاركة. هؤلاء أشد خطراً من اليد التي ضغطت على الزناد، لأنهم يمنحون القتل شرعيةً اجتماعية، ويحوّلون المأساة إلى مسرح للشماتة والفضيحة.
المأساة الحقيقية لا تكمن في موت امرأة على يد مجرم، بل في مجتمع كامل يتقن طمس الحقيقة، ويتواطأ بالصمت أو التبرير. وما يوجع أكثر أن السلطة نفسها كثيراً ما تعكس صورة هذا التواطؤ، فتصبح الحامي شريكاً في الجريمة، والقاضي متستراً على الجناة. عندها يفقد المواطن آخر خيوط الطمأنينة، ويجد نفسه وحيداً في مواجهة غابة من الوحوش التي تتربص به في كل زاوية.
لقد تحوّل الوطن إلى ساحة للذبح، لا مكان فيه لموت طبيعي أو حياة طبيعية. الدم صار لغة يومية، وصوت الرصاص أصبح نشيداً مألوفاً، أما النجاة فهي امتياز نادر لا يحظى به إلا القليل. كأن البلاد تكتب سيرتها بمداد من الجثث، وكأن روحها لا تجد التعبير إلا في صور التقطيع والتمثيل بالأجساد.
ما أقسى أن تعيش في وطن يصبح فيه الخوف رفيقك اليومي، والنجاة حلماً مؤجلاً. وما أوجع أن تكتشف أنّك محاط بأشباه بشر يفتقدون للرحمة، يتغذّون على دم الضحايا، ويجدون في العنف مبرراً لبقائهم. إنها مأساة أمة فقدت إنسانيتها قبل أن تفقد أبناءها، وتحوّلت إلى مسرح دموي لا يعرف نهاية لمشهده المروّع.