الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قراءة نقدية وفق مقاربة ميتاشعريَّة في قصيدة: “نهرٌ تعرَّى من الماء للشاعر نمر سعدي


سرابُ الكناية وماءُ المجاز

قراءة نقدية وفق مقاربة ميتاشعريَّة في قصيدة: “نهرٌ تعرَّى من الماء للشاعر نمر سعدي

جليلة المازني 

 

• أسند الشاعر الفلسطيني نمر سعدي عنوانا لقصيدته “نهرٌ تعرَّى من الماء” مشحونا بالرثاء لفقد شيء جميل بداخله جعله يبني قصيدته على التساؤلات لتوريط المتلقي في عملية التأويل.

وهذا ممتاز في علاقته بنظرية التلقي الحديثة.

انه استدعى قميص يوسف وأسطورة الذئب لاضفاء القدسيَّة عما يرثيه.

ورغم انه أوهمنا بابتعاده عن التغني بالمرأة أيقونته المفضلة الا أنه لم يستطع التخلص من طيفها الذي ظلَّ يسكنه فكانت المشبه بها (كغيم الأنوثة).

إنها قصيدة فيها من التعقيد ما يجعلها معتَّقة كالخمرة التي لم يخالطها ماء فكلما أعدت القراءة تزداد انتشاء على انتشاء تماما كما الانتشاء بالخمرة المعتَّقة لشاربها.

• وقد ورد جملة اسمية تفيد حقيقة وهي حقيقة نهر تعرَّى من الماء.

• انها مفارقة عجيبة فالنهر عادة منبع الماء فكيف به يتعرَّى من الماء؟

• ويبدو أن الشاعر لا يقصد نهرا بعينه باستخدامه المبتدأ اسما نكرة (نهر).

• وفي هذا الاطار:

– إلى ما يرمز النهر؟

– كيف تعرَّى هذا النهر من الماء؟

– هل الشاعر يرثي هذا النهر الذي تعرَّى من الماء والله قد جعل من الماء كلَّ شيءٍ حيٍّ أم هو نوع من الهجاء أم هو رثاء وهجاء لنهر افتقد الحياة (الماء)؟

• التحليل:

• استهلَّ الشاعر قصيدته باستخدام ضمير المخاطبة الذي تقدّم على اسم متأخر. هذه المخاطبة تتماهى مع القصيدة ومحتواها ومع ياسمين الشموس فيقول:

• “تقمَّصتِ جسم القصيدة أو ياسمين الشموسِ”

• ومن خلال هذا الاستهلال تبرز مكانة هذه المخاطبة التي يمتدحها.

• بيْد أن الشاعر يستدرك باستخدام أسلوب انزياحي تركيبي قائم على الاستفهام ليطرح العديد من الأسئلة الاستنكارية وكأني به يلوم أو يعاتب هذه المخاطبة التي ألبسها القصيدة وأضفى عليها رائحة الياسمين ونور الشموس فيقول:

• فكيف نهرت الزهور على كاحل الماء؟

• كيف زرعت الخزام الذي لا يُرى في سهوب الحليبِ

• التي أينعت في الظهيرة أو خرز الظهر؟

• كيف أقولكِ؟

• في أي صحراء يغمرها البرق

• أودع شيطان شِعركِ -يا لعنةَ الشِعر-؟

• ثم يلوذ بمجموعة أسئلة ثانية بحثا عن هوية هذه المخاطبة وعن تسمية لها فيقول:

• ماذا أسميكِ؟

• ترنيمة العبث الأزلية؟

• ضربا من المسّ؟

• تعليق قلبي وحيدا على حربة الشمس؟

• سعيا على الجمر فوق صراط الحياة؟

• طريقا تؤدي الى جنة الروح في جسد الجلجلة؟

• والى شفرة النار في زهرة المقصلة؟

• مهنة العاطلين عن الحب والأسئلة؟

• عنفوانا مريضا ؟ شتاء خفيضا؟

• سماء ترتب هندامها وتشذّب أحلامها؟

• قمر الورد؟ إكسير حبٍّ تكسر؟

• حقل ندى من كلام بسيط كعفوية الضوء

• يرجع كل الذي ضاع من ذهب العمر

• في أول النهر؟

• ان هذه الهوية المتأرجحة للمخاطبة بين الجنة والنار والسلب والايجاب جعلت الشاعر يحسم أمره ويتخذ قرارا باستخدام لن الزمخشرية التي تنفي المستقبل:

• ترى ما الذي سينفيه في المستقبل ويحسم فيه أمره؟

• يقول:

• لا لن أعوِّل إلا على ما تربَّى من الشعر في عهدتك

• فهو صنارة لاصطيادِ النساءِ

• اللواتي تعبن من الركض خلف الفراشات

• أو من تسلُّق سلَّم أمجادهن الى شرفات السماء

• لن أعوِّل إلا على ما يمسُّ القصيدة منك

• فتصبح سجَّادة الحالمين

• بكسرة خبز وقبلة ماء

• وفي هذا الاطار فإن الذات الشاعرة تتحدث عن نفسها وعن هاجسها حول ماهية الشعر.

• إنها وجهة نظر ميتاشعرية تتجلى بالقصيدة:

– مفهوم الميتاشعرية:

• -“الميتا شعرية : مصطلح يشير الى التنظير أو الوصف أو الكلام على الشعر ضمن إطار

• العمل الشعري .”الشعر على الشعر” أو “القصيدة فى القصيدة”.

– ان يضع الشاعر نفسه تحت المجهر فيتفحَّص مصادر الهامه ومخاوفه وآماله وتصوراته

• حيال الكتابة الشعرية.

– من وجهة نظر ميتاشعرية يسائل الشاعر نفسه ويمتحنها ونراه يتفحّص المحتوى الشعري ويعيد النظر فيه..

• انها صفة الشاعر الناقد وهي من سمات الميتاشعرية.

– تجليات الميتاشعرية بالقصيدة:

• + تماهي الشعر مع المرأة:

• ان الشاعر يحسم الأمر في شعره ليجعله حكرا على ما له علاقة بهذه المخاطبة ليكون اغراء لاصطياد النساء. ان الشاعر يشي للقارئ ب :

– ان هذه المخاطبة هي مقياس كل النساء.

– انه يثير غيرتها ببقية النساء.

– ان المخاطبة تتماهى مع القصيدة

• +الشعر قيادة ومعاناة:

• وفي هذا الاطار يعود ليتساءل عن هويتها مرة أخرى فيقول:

• آه لكن سألتك من أنت أو بأصح العبارة ما

• أنتِ

• أوما هو الشعر؟ قولي إذن

• طعم شوق تجسّد قرب سفينة أحمد بن

• ماجد؟

• وعذابات كولمبس؟

• ان الشاعر قد استخدم اسم الموصول العاقل للتساؤل عن هوية المخاطبة(من أنتِ)ثم استدرك واستخدم اسم الموصول لغير العاقل (ما أنتِ).

• وهذا يدعم تماهي المخاطبة (الحبيبة) مع الشعر(من أنتِ = ما أنتِ).

• انه استدعى شخصية من لُقّب بأسد البحار أحمد بن ماجد مخترع البوصلة:

– هل الشاعر يعتبر الشعر بوصلة الحياة التي توجّه الانسان في حياته؟

– هل يعتبر الشعر يجسّد معاناة الانسان باستدعاء شخصية الرحالة الايطالي كريستوف كولومبوس وما عاناه من اكتشاف العالم الجديد؟

• +الشعر جنون: يقول:

• الشعر كالحب ضرب من المسّ؟

• ان الشاعر يشبّه الشعر بالحب باعتباره جنونا.

• والشعر المجنون حسب بعض النقاد يتمثل في التفكير خارج الصندوق واستخدام الابداع والخيال لتصميم تسريحات شعر فريدة ومجنونة.

• + رثاء الشعر:

• يواصل الشاعر مساءلة نفسه عن الشعر فيقول:

• ما هو هذا الذي ليس يوصف في كائن

• الهجس؟

• نهر تعرّى من الماء في ليلة السبت؟

• نحل فقير من الصمت يمخر آفاق قلبي الى

• وردة الروح

• أو قبلة في أقاصي شفاه الشمال المدجج

• بالخمر والطير؟

• هل هو شبه بكاء خفي على ما يضيع من

• الورد فينا وراء الظلال؟

• سراب خفيف الاشارة؟

• طميٌ تقرَّى دمي في أعالي الجبال؟

• ملاكٌ بريءٌ يضيءُ على الليل قلبكِ

• والشاعر بأسئلته المتواترة قد يوهم القارئ أنه وصل الى تعريف الشعر بأن اعتبره “نهرا تعرَّى من الماء”.

– فهل الشعر باعتباره نهرا والنهر منبع الحياة بمائه قد فقد مقوِّمات الحياة؟

• ان الشاعر لا يخفي عنا وجعه وهو يُسرُّ الألم لأن الشعر قد جفَّ نبعه وبالتالي يهدده الجفاف والموت.

– هل الشعر فقد مكانته في الثقافة العربية التي كان عليها باعتباره

• “ديوان العرب”؟

• +إمارة الشعر:

• ان الشاعر يبكي الزمن الجميل للشعر فقد اعتبره الأمير الجميل فيقول:

• فما هو الذي لا يعرَّف؟

• من هو هذا الامير الجميل؟

• النبيل.. الأصيل.. الشهي ..البهي

• الذي في أعالي صباحاتنا كان يصرعنا

• سحره المتألق

• والشاعر هنا يمنح للشعر إمارةً وهو يتناص في ذلك مع من منح لأحمد شوقي إمارة الشعر ولقبَّهُ بأمير الشعراء.

• ويواصل مساءلة نفسه فيقول:

• ما هو هذا الذي يجمع الأبدية في لحظة كالفقاعة؟

• ما يجعل الصخرَ في نهر أضلاعنا غيمَ قطنٍ

• خفيفا شفيفا نظيفا تماما كغيم الأنوثة؟

• ويختم القصيدة وكأني بالشاعر يرثي ويهجو في نفس الوقت:

– يرثي الشعر الذي بات ضعيفا أمام الذكاء الاصطناعي الذي يهدِّد الابداع.

– يهجو الذكاء الاصطناعي الحاقد والمنتقم من الابداع الأدبي البشري فيقول :

• وبين الربوت الذكيِّ المدجَّج بالكرهِ والحقدِ والانتقامْ

• وفي هذا الاطار لقد طغت على القصيدة صناعة السؤال التي جعلها الشاعر تتواتر بامتياز لتحقق هدفين:

– إن صناعة السؤال تورِّط المتلقي في عملية التأويل وهذا ممتاز في علاقته بنظرية التأويل الحديثة.

– إن صناعة السؤال قد جسَّدت بامتياز الميتاشعرية بالقصيدة لتطرح هاجسها وتتحدث عن نفسها.

• ولعل حديث القصيدة عن هاجسها يجعل من الشاعر نمر سعدي مبدعا وناقدا أدبيَّا في نفس الوقت وهذا ما يساهم في الارتقاء بالشعر.

• سلم قلم الشاعر المتميِّز مبدعاً وناقداً.

• بتاريخ 5 / 7 / 2025

• القصيدة “نهرٌ تعرَّى من الماء”

• تقمَّصتِ جسمَ القصيدةِ أو ياسمينَ الشموسِ

• فكيفَ نهَرتِ الزهورَ على كاحلِ الماءِ ؟

o كيفَ زرعتِ الخزامَ الذي لا يُرى في سهوبِ

 الحليبِ التي أينعتْ في الظهيرةِ أو خرزِ الظَهرِ؟

– كيفَ أقولُكِ؟

• في أيِّ صحراءَ يغمرها البرقُ

• أودعُ شيطانَ شِعركِ- يا لعنةَ الشِعرِ -؟

• ماذا أُسمِّيكِ؟

 ترنيمةَ العبثِ الأزليَّةَ؟

• ضرباً من المسِّ؟

• تعليقَ قلبي وحيداً على حِربةِ الشمسِ؟

• سعياً على الجمرِ فوقَ صراطِ الحياةِ؟

o طريقاً تؤدِّي إلى جنَّةِ الروحِ في جسَدِ

• الجلجلَة

• وإلى شفرةِ النارِ في زهرةِ المقصلَةْ؟

• مهنةَ العاطلينَ عن الحبِّ والأسئلةْ؟

• عنفواناً مريضاً؟ / شتاءً خفيضاً؟

• سماءً ترتِّبُ هندامَها وتشذِّبُ أحلامَها؟

• قمرَ الوردِ؟ / إكسيرَ حبٍّ تكسَّرَ؟

o حقلَ ندى من كلامٍ بسيطٍ كعفويَّةِ الضوءِ

• يُرجعُ كلَّ الذي ضاعَ من ذهبِ العمرِ / في أوَّلِ النهرِ؟

• لا لن أُعوَّلَ إلَّا على ما تربَّى من الشِعرِ

– في عهدتِكْ

• فهوَ صُنَّارةٌ لاصطيادِ النساءِ

• اللواتي تعبنَ من الركضِ خلفَ الفراشاتِ

 أو من تسلُّقِ سلَّمِ أمجادهنَّ إلى شرفاتِ السماءْ

o لن أعوِّلَ إلَّا على ما يمَسُّ القصيدةَ منكِ

 فتصبحُ سجَّادةَ الحالمينَ

 بكسرةِ خبزٍ وقُبلةِ ماءْ

• آهِ لكن سألتكِ من أنتِ أو بأصحِّ العبارةِ ما أنتِ أو ما هوَ الشعرُ ؟

• قولي إذنْ طعمُ شوقٍ تجسَّدَ قربَ سفينةِ أحمدَ بن ماجدٍ؟

 وعذاباتُ كولمبسِ؟ الشعرُ كالحبِّ ضربٌ من المسِّ؟

o تعليقُ قلبي وحيداً على حِربةِ الشمسِ؟

 ما هوَ هذا الذي ليسَ يوصفُ في كائنِ الهجسِ؟

o نهرٌ تعرَّى من الماءِ في ليلةِ السبتِ؟

o نحلٌ فقيرٌ من الصمتِ يمخرُ آفاقَ قلبي

• ذإلى وردةِ الروحِ أو قُبلةٍ في أقاصي شفاهِ الشمالِ

 المدجَّجِ بالخمرِ والطيرِ؟

o هل هوَ شبهُ بكاءٍ خفيٍّ على ما يضيعُ

• من الوردِ فينا وراءَ الظلالِ؟ سرابٌ خفيفُ الاشارةِ؟

o طميٌ تقرَّى دمي في أعالي الجبالِ؟

• ملاكٌ بريءٌ يضيءُ على الليلِ قلبَكِ

• لكنهُ ليسَ يُطعمني حنطةً من جنانكِ ليسَ يُبلِّلُني بندى الزنجبيلْ؟

• فما هوَ هذا الذي لا يُعرَّفُ؟

• من هو هذا الأميرُ الجميلُ

• النبيلُ..الأصيلُ..الشهيُّ..البهيُّ

• الذي في أعالي صباحاتنا كانَ يصرعنا سحرُهُ المتأنِّقُ

• من دونِ أن يلمسَ السيفَ والوردةَ / السرَّ

• من دونِ أن يتهجَّى الينابيعَ في دَمِنا

• أو يتقاطعَ مع بسمةِ القمرِ الطفلِ

 تحتَ ظلالِ المساءاتِ حينَ يُطهِّرنا من هوانا الرخيصِ

 ويجعلنا بشَراً من بكاءِ النخيلِ على نسوةِ الماءِ؟

o ما هوَ هذا الذي يجمعُ الأبديَّةَ في لحظةٍ كالفقاعةِ؟

• ما يجعلُ الصخرَ في نهرِ أضلاعنا غيمَ قطنٍ

o خفيفاً شفيفاً نظيفاً تماماً كغيمِ الأنوثةِ؟

 ما هو هذا الذي يحملُ العشبَ عنَّا لأنَّا تعبنا كثيراً من الركضِ فوقَ مراثي إرميا

• وتحتَ بكاءِ السماءِ

o لأنَّا تعبنا من الحُبِّ واستنزفتنا المسافةُ بينَ القرنفلِ والقلبِ

• بينَ القميصِ المفخَّخِ بالمسكِ والذئبِ

o بينَ الخرافةِ تمشي على قدمينِ معمدَّتينِ بعطرِ الخزامْ

o وبينَ الروبوتِ الذكيِّ المدجَّجِ بالكرهِ والحقدِ والانتقامْ؟


مشاهدات 151
أضيف 2025/08/09 - 2:25 AM
آخر تحديث 2025/08/09 - 3:25 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 519 الشهر 6439 الكلي 11401525
الوقت الآن
السبت 2025/8/9 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير