الغموض الأمريكي في إدارة الأزمة الإيرانية
زيد البيدر
تتبع الولايات المتحدة الأمريكية في مواقفها الخارجية تجاه القضايا والأزمات الدولية سياسة تقوم على ممارسة الخداع والابهام والتضليل ، وهذا ما يطلق عليه الغموض الاستراتيجي، الذي يقوم على عدم توضيح مواقفها بشكل نهائي ومباشر لغرض خداع وإيهام الأعداء والحلفاء على حد سواء، فضلاً عن التهرب من مسؤولية انتهاك حلفائها للقانون الدولي، وكذلك إرباك خصومها وجعلهم في حالة حذر دائم. وعند تتبع المواقف الأمريكية قبل تنفيذ الكيان الاسرائيلي لعدوانه الأخير على إيران، تجدها تنطلق من استراتيجية الغموض ذاتها.
كيان اسرائيلي
فالتصريحات الصادرة عن الرئيس الأمريكي وأعضاء إدارته، تؤكد جلها على الرفض الأمريكي لاستخدام القوة ضد إيران، ومواقف أخرى رافضة لمحاولات الكيان الإسرائيلي جر الولايات المتحدة لحرب مع إيران، وغيرها من التصريحات التي اشارت الى ممارستها الضغط على الحكومة الاسرائيلية لمنع انزلاق المنطقة نحو الحرب، وأظهرت بيانات أخرى صادرة من واشنطن تؤكد على توجيه تحذيرات شديدة لنتنياهو تنبهه بمغبة الإقدام على مهاجمة إيران، وتتهمه بمحاولة عرقلة التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، غير ان الواقع اثبت غير ذلك.
فالولايات المتحدة كانت تتحرك ضمن سياسة الغموض لإيهام إيران بمواصلة المفاوضات وجعلها منشغلة بنتائجها وغير مهيأة للتعامل مع العدوان الاسرائيلي، الذي انطلق بتاريخ 13 حزيران أي قبل يومين من موعد انعقاد الجولة السادسة من المحادثات، فالتضليل الأمريكي ظهر من خلال عملية التنسيق والتشاور مع الكيان الاسرائيلي لتحديد موعد الضربة، والقيام في ذات الوقت بعملية خداع للجانب الإيراني من خلال إظهار جدية الولايات المتحدة وتمسكها بالخيار الدبلوماسي لحل الأزمة، من خلال المواقف الأمريكية التي ظهرت قبل ساعات قليلة من قيام الكيان الاسرائيلي بعدوانه، التي أكدت على انعقاد جولة المحادثات السادسة، والمشاركة الأمريكية فيها.
مفاعلات نووية
فضلاً عن ممارسة السياسة ذاتها في استهداف المفاعلات النووية الإيرانية، من خلال الإعلان عن رفضها المشاركة في الضربات وذكرت أن أولوية الولايات المتحدة في تلك الفترة تنصب على حماية مصالحها في المنطقة.
وفي الأيام اللاحقة حددت الولايات المتحدة أسبوعين لدراسة المشاركة من عدمها، لكن عملية الخداع والمناورة هذه المرة كانت من خلال التوقيت، وأسلوب مناورة قاذفات الشبح أيضاً، من خلال تحريك مجموعة منها صوب المحيط الهادئ، لتوهم إيران بأن الهجوم الأمريكي لا زال غير وشيك، بيـــــــــــنما قامت مجموعة أخرى بعملية تحليق سرية من خلال المحيط الأطلسي، لتوفر من خلاله غطاء للمناورة يحقق عنصر المفاجأة لتلك الضربة.