خور عبد اللـه بين الإتحادية والضغوط الخارجية
رشيد العجيل
تعود قضية خور عبد الله إلى الواجهة ليس فقط بوصفها نزاعاً حدودياً مع الكويت بل باعتبارها اختباراً حاسماً لاستقلال القضاء العراقي وخاصة المحكمة الاتحادية العليا. وسط الجدل المتصاعد حول مشروع المصادقة على الاتفاقية البحرية مع الكويت، تتجه الأنظار إلى المحكمة بوصفها الحَكم الأخير بين السيادة والمساومة.لقد تم توقيع اتفاقية خور عبد الله عام 2012، ثم صادق عليها البرلمان العراقي لاحقاً في أجواء سياسية غريبة ودون نقاش وطني شفاف. ومع تكشف معالم التغيير الجغرافي الذي أجرته الكويت لاحقاً بإنشاء جزر اصطناعية واستخدام الاتفاقية كذريعة لتوسيع السيطرة على الممرات المائية بدأ الرأي العام يطالب بإعادة النظر في الاتفاقية بالكامل بل وإبطالها دستورياً.
وهنا تأتي المحكمة الاتحادية وهي الجهة الأعلى في تفسير الدستور وفصل النزاعات لتكون أمام مسؤولية وطنية وتاريخية. إلا أن الخشية الكبرى التي تتردد في الأوساط السياسية والقانونية، تتمثل في تأثير الأحزاب النافذة على قرارات المحكمة سواء من خلال ترشيح أعضاء موالين أو الدفع بتغيير رئاستها كما جرى مؤخراً بإحالة القاضي جاسم العميري إلى التقاعد وتعيين القاضي منذر إبراهيم حسين بمرسوم رئاسي وسط شكوك حول خلفيات القرار ودوافعه.الاتفاقية مع الكويت وما يرافقها من خطر مصادقة جديدة أو تثبيت نهائي في الأمم المتحدة، تحتاج إلى مراجعة قانونية شجاعة وليس مساومات سياسية. والمطلوب من المحكمة الاتحادية أن ترفض أي مسعى للمصادقة البرلمانية ما لم يُعاد فحص الاتفاقية دستورياً وأن تقرر إحالة النزاع فوراً إلى محكمة العدل الدولية باعتبار أن ترسيم الحدود جرى بطريقة تمس السيادة الوطنية ولم يُستند فيه إلى قواعد القانون الدولي البحري.المحكمة تمتلك هذه الصلاحية لكن امتناعها عن اتخاذ موقف واضح اليوم، سيُفسر حتماً كخضوع لضغوط حزبية أو خارجية، تماماً كما حصل في ملفات تتعلق بالانتخابات و الموازنة العامة و العلاقة مع إقليم كردستان والتي أظهرت مدى تسييس بعض قراراتها السابقة.إن ما يهدد العراق ليس فقط ضياع خور عبد الله بل ضياع الثقة بالقضاء الدستوري. والسكوت عن تمرير اتفاقيات تمس الحدود لا يقل خطورة عن التنازل عن ثروات أو أراضٍ عراقية والمطلوب ليس فقط موقفاً دستورياً بل موقفاً وطنياً.
الكرة اليوم في ملعب المحكمة الاتحادية، فإن قبلت المصادقة دون أعتراض قانوني فهي تُشارك فعلياً في تفريط تاريخي. أما إن اتخذت قراراً بإحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية فإنها تُعيد الاعتبار للقانون وتمنح الشعب العراقي فرصة للدفاع عن حقه وفق المسارات الشرعية الدولية وفي هذه اللحظة سيكتب التاريخ مَن كان على قدر المسؤولية.