حين يصمت العقل يبدأ الحل
إلهام عبدالقادر
رؤية كارل يونغ للتوتر والاسترخاء وتحقيق الأهداف
في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة الحياة ونُقاس فيه بكَمّ ما ننجزه لا بكيف نعيشه صارت الراحة تُتهم بالكسل، والتأمل يُقابل بالاستهزاء والتوقف يُعدّ فشلاً.
في مجتمعاتنا اليوم، لا يكاد المرء يجد وقتًا لنفسه وسط ضغوط العمل ومتطلبات الأسرة وانشغالات الحياة اليومية، فضلاً عن التوتر السياسي والاقتصادي الذي يُخيم على أجوائنا.
لكن، ماذا لو كانت الراحة هي المفتاح؟
وماذا لو أن الهدوء هو الطريق الأقرب لتحقيق الأهداف لا العكس؟
هذا ما يؤكده عالم النفس السويسري الكبير كارل غوستاف يونغ، الذي قدّم رؤية جريئة ومغايرة حول العلاقة بين التوتر، والاسترخاء، والإبداع.
التوتر… ليس عدوًا كما نظن
في نظر يونغ لا ينبغي أن نتعامل مع التوتر كعدو يجب القضاء عليه بل كحالة نفسية تحمل في طيّاتها طاقة كامنة يمكن تحويلها إلى فهم أعمق لذواتنا وإلى حلول خلاقة.
إن الاحتفاظ الواعي بالتوتر أي عدم كبحه أو إنكاره، بل تقبّله والتأمل فيه يسمح للعقل الباطن بالعمل، ويفتح الباب لظهور الأفكار الجديدة من الأعماق.
الاسترخاء… فعل لا يُرى ولكن يُثمر
كثيرًا ما نظن أن الحلول تأتي بالمجهود، بالسهر، بالضغط، والبحث المتواصل.
لكن الحقيقة أن الذهن المتشنج لا يبدع، فعندما نسمح لأنفسنا بلحظات من الصمت والتأمل أو حتى مجرد المشي بلا هدف، فإن العقل يبدأ في إنتاج حلول من خارج النمط.
يشير يونغ إلى أن اللاوعي ليس مكانًا مُظلِمًا كما يتخيله البعض، بل مصدر حكمة. وعندما نتوقف عن محاولة التحكّم بكل شيء، نمنحه الفرصة ليُرينا الطريق.
بين الهدف والراحة… مسار داخلي
تحقيق الأهداف لا يعني أن نُنهك أرواحنا. بل أن نكون في انسجام داخلي يسمح للطاقة النفسية بأن تتدفق نحو ما نريد دون مقاومة. وهذا لا يتحقق إلا حين نوازن بين العمل والهدوء، بين الإرادة والقبول، بين التصميم والاستسلام المؤقت.
إن لحظة اللا فعل ليست لحظة ضياع بل لحظة تهيؤ…
فالنبتة لا تنمو في العاصفة، بل في التربة الرطبة والهواء النقي.
في ظل الضغوط التي نعيشها جميعًا سواء كنتَ موظفًا أو طالبًا أو أمًا أو حتى قائدًا دعني أذكّرك:
أنت لست آلة ولست مُلزمًا بالإجابة عن كل شيء فورًا.
أحيانًا الصمت أذكى من الكلمات والانسحاب أبلغ من المحاولة، والهدوء أسبق إلى الحل من التفكير الصاخب.
فامنح نفسك مساحة… دَع التوتر يُعبّر ثم تنحّى قليلًا.
وستُفاجَأ، كما قال يونغ، أن الجواب كان فيك طوال الوقت، ينتظر فقط أن تُصغي.