حين يضل المثقف طريق التحرير

محمد رسن

هل اختزلت الثقافة اليوم بخريط تكديس الكلام في القصائد والخطب والحكايات، وبموائد التكريم والتصفيق الأجوف؟ أم صارت مشعل الوعي مجرد ديكور صدئ، يحمله من لا يعرف حرارته ولا يؤمن بضوئه؟

لامني الكثيرون حين تجرأت على كشف مسألة شراء ذمم الأدباء والفنانين والصحفيين من قبل السلطة، وكأن فضح الخيانة صار تهمة، لا موقفاً. وها هم اليوم يسجلون موقفًا مهزوزاً لا يشبه حتى الصمت، إذ عجز أغلبهم عن إصدار بيان واحد، ولو مخجل، في لحظة سرق فيها جزء من الوطن اسمه «خور عبد الله». وكأن هذه الأرض لم تكن يوما قضيتهم، ولا هذه الخسارة تستحق منهم سوى التجاهل المرتبك أو التبرير البائس.

فأين أنتم؟ أين ضمير من ادعى حمل مشعل الوعي؟

ما فائدة القلم إذا لم يُرفع في وجه القبح؟

وما مهمة المثقف إن لم تكن الوقوف عند الجراح، والنطق بالحق حين يصمت الجميع؟

عيب أن يصبح بعضهم، أو الكثير منهم، كتبة في بلاط السلطة، أو متسولين على أبواب الولائم الثقافية، يعتاشون على الخضوع، ويزينون القبح بحروف من ورق. يدعون الوعي، ويصمتون حين يُسرق وطنهم أمام أعينهم، كأن الخيانة لا تُرى إلا حين تكون بعيدة عن رغيفهم وامتيازاتهم.

أن يغيبوا عن لحظة كهذه، فذلك سقوط لا يحتاج إلى شهادة.

من غاب عن هذه الوقفة، غاب عن دوره، وسقط قلمه قبل أن يُكسر.

فلا معنى لمثقّف يرى الوطن يُنهب، ويختار أن يكتب قصيدة عن الخريف.

الوطن لا يُكتب عنه من خلف مكاتب مُكيفة، بل من وسط الغبار والدم.

الحياد في زمن النهب خيانة، والصمت تزكية ليد السارق.

ليس المثقف من يحصي جوائز الترضية، بل من يحرس الحقيقة ولو وحده.

وسيظل من لم يأتِ إلى ساحة التحرير، غريبا عن ضميرها، وإن حفظ كل قصائدها عن ظهر قلب. فليقل التاريخ إن الخيانة لم تكن يوماً فقط من فوق الكراسي، بل من بيننا، ممن صمتوا. وليكن معلوماً أن الأوطان لا تُؤكل دفعة واحدة، بل تُقضم من أطرافها بصمت الجبناء. ليس كل من كتب يُسمى كاتباً، ولا كل من لبس عباءة الوعي يستحقها.

وإن أُسدل الستار على «خور عبد الله»، فستظل العيون مفتوحة على ما تبقّى، نحرّسه بالكلمة والموقف، لا بالمديح ولا بالحياد.