الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الموت المجاني

بواسطة azzaman

الموت المجاني

نهلة الدراجي

 

مرةً أخرى، لا نحتاج إلى منبّه كي نستيقظ على فاجعة، فالوطن لم يعد ينام أصلاً. كل شيء في هذا البلد يئنّ، من الأرصفة التي خضبتها دماء الضحايا، إلى الجدران التي ما زالت تشهد على صرخات لم يسمعها أحد… إلى الأرواح التي تُزهق بلا ذنب، فقط لأنها اختارت أن تعيش في وطن لا يحترم الحياة.

ما جرى في الكوت ليس مجرد حادث، بل فاجعة تُضاف إلى سجلٍ طويل من المآسي التي سكنت ذاكرة العراقيين، والتي لم نعد نفرّق فيها بين لهبٍ يأكل الجدران ولهبٍ يأكل القلوب. مشهد الجثث المتفحمة، الأصوات المذعورة، العيون الممتلئة بالذهول، ليس إلا تكرارًا مؤلمًا لفصول لم تُغلق بعد: من الكرادة إلى العبارة، ومن مستشفى الناصرية إلى قاعة الحمدانية، وها هي الكوت اليوم تنضم إلى طابور الأنين.

في بلدٍ يُفترض أن تكون فيه الحياة أولويّة، أصبحت الأرواح أرقاماً تُكتب على هامش الأخبار، وتُطوى سريعاً في زوايا النسيان. فاجعة الكوت ليست استثناء، بل امتداد مأساوي لسلسلة طويلة من الإهمال والفساد والتقصير، كل مرّة، تتكرر القصة بطريقة أو بأخرى: حريق، اختناق، انهيار، إهمال… ثم بيانات شجب، ولجان تحقيق لا تُثمر إلا الغبار. في كل فاجعة، نكتشف أننا لسنا فقط بلا حماية، بل بلا قيمة. المواطن في هذا البلد يُترك للموت، ثم يُدفن في صمت، ويُنسى اسمه في زحمة العناوين. لا توجد جريمة أكبر من أن تُقتل مرتين؛ مرة في الحريق، وأخرى في التجاهل.

ما جدوى كل هذا الحداد إذا لم يتحوّل إلى صحوة؟ ما قيمة الحزن إذا لم يُفضِ إلى محاسبة؟ كم مرة سنبكي؟ كم مرة سنحمل النعوش ونحن نعلم أن من مات اليوم كان يمكن أن يكون نحن أو أحبّتنا؟ متى يُصبح المسؤول مسؤولاً بمعنى الكلمة؟

إلى متى؟ سؤالٌ فقدَ معناه، لأننا نطرحه منذ سنوات، ولا أحد يجيب. لأن الأجوبة تُخزَّن في تقارير لجان التحقيق، وتُنسى كما نُسيت أرواح كثيرة قبلهم. أما من كان يمكنه أن يمنع هذا الموت وفشل، فله الخزي في الدنيا، وللتاريخ ذاكرة لا تُسامح.

اليوم، لا نرثي ضحايا «هايبر ماركت الكوت» وحدهم، بل نرثي أنفسنا، لأننا جميعًا نعيش على أرضٍ قابلة للاشتعال، في وطنٍ لم يعد يحتمل مزيدًا من النعوش

ختامًا

لا أملك إلا أن أقول

 ارحموا هذا الوطن

ارحموا من تبقّى فيه حيًّا، لأن كل عائلة فيه تحمل في أعماقها نداءً خفيًا: «لا تجعلونا الضحية القادمة». 

ارحموا العراق... فقد صار الحزن خبزه اليومي، والموت عادته المتكررة..

وإلى الضحايا في الكوت وفي كل مكان، نقول

ناموا بسلام، وإن عجزت العدالة عن إنصافكم، فالتاريخ لن ينسى.. ناموا بسلام يا من احترقتم، فقد احترقنا معكم... ولو لم نمت...!

 

 


مشاهدات 123
الكاتب نهلة الدراجي
أضيف 2025/07/22 - 2:00 PM
آخر تحديث 2025/08/01 - 3:35 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 524 الشهر 524 الكلي 11275610
الوقت الآن
الجمعة 2025/8/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير