أشاح نيكول ديموتروفيتش الشيوعي المتفرد في موسكو بما تبقى لتراث الشيوعيون من نسغ لاسع تارة، ومنهك ذابل تارة اخرة . بيتروفيتش يشبه كثيرا في تجلياته ارهاصات فرانز كافكا الذي همس في أذن بن اوى في الصحراء العربية المتخيلة : إياك ان تشم ما تحت إبط العربي من جهنم حمراء ( بنات آوى – فرانز كافكا ).
وهكذا هو حال التدهور العقائدي للأحزاب العلمانية والتقدمية العربية التي لم ولن تجد لها بيئة خصبة إلا بالثوابت والثورات التي أدمت واستهلكت الذات والوجود العربي لأنها تبدّا مختلفة، لكنها سرعان ما تنتهي متشابهة وقمعية لتغدو هجينة في موطنها الأم.
وأما الحزب الشيوعي في العراق وفي الوطن العربي فهو ضمن اشكالية فكرية وتاريخية مريرة، فالحزب يتبنى افكارا عمرها ١٠٠ عام ونيف ، وقد ولدت وماتت في ألمانيا وروسيا وأوروبا ،بعد ان وخضعت لمشرط المختبر الفكري الغربي، وتم تصنيفها وركنها في جدران التراث الإنساني. إلا ان الأحزاب الشيوعيه العربية والحزب الشيوعي العراقي على وجه التحديد متمسكين حد الموت بما يدركون ، وبما لا يدركون من امرهم شيئا ، وان جادلتهم ردوا عليك كما المتدينين انفسهم: اغرب عن وجهنا أيها البعثي.
في آخر حوار لي مع شيوعي لا اعرفه اتهمني بالبعثيانيه دون ان يعرفني ، وقبل ان اعرفه ، أنها مأساة الانتماء العقائدي والفكري لنمط فكري ضمن بيئة متناقضة معه ، ومع ذاتها ، وهي مأساة ما بعدها مأساة ، والدليل هو عدم حدوث اية تحولات وعدم احداث تاثيرات في بنية الحزب الشيوعي العراقي ، ولا حتى تاثيره ضمن بيئته ، مع الإبقاء على اللون الأحمر والمنجل والمطرقة ولحية خالنا لينين الذي أباد مع ستالين ما يقرب من ١٦ مليون مزارع وفقير ومعارض ومهجر قسريا من الجزر المتنازع عليها في مزارع الفقر الروسي وفي القرم.
ربما كان لنهج الحزب الأول في الاتكاء على عكاز الأدب والفن التجربة المثلى التي جعلت شعراء ومطربين يكتبون وينشدون لحزب لا يعرفون بنيته ولا كناياته ولا حتى جوهر أنساقه المعرفية ، مكتفين بفرح انتماء الفلاحين والعمال والكسبة إلى حزب مثل لهم الإنقاذ من واقع مرير وفقر فكري يقتل الطفل قبل البالغ بمشرط الرقيب والمحقق . وكما حدث في كوبا وكوريا الشمالية ورومانيا ونماذج القهر الروسي الدامي.
ولم ينظر إلى مأساة الشعب الروسي وتدهور وتدني الشعوب الأوروبية الشرقية ماديا ومعرفيا ، وبقي الحزب الشيوعي تراثا أدبيا وغناء خجولا ومسارح مهجورة وسياسيون أنصاف خجلى وانصاف مترددين ، الحزب الشيوعي العراقي بحاجة إلى ديمومة يسارية حقيقية وتحول منهجي وعقائدي لرفد اليسار العراقي بالمغذيات الفكرية والمنهجية في عالم هو أحوج ما نكون فيه إلى العلمانية والمدنية التفكيرية ، بعيدا عن شعار : يا عمال العالم صلوا على محمد وال محمد.