أربعاء ترامب بعد أربعاء ترومان
فؤاد مطر
مصادفة لافتة وهي أن إطلالة الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة دونالد ترمب تحدُث يوم الأربعاء 14 أيار 2025 أي بعد 77 سنة من اليوم الذي أعلن فيه الرئيس الأميركي الثالث والثلاثون هاري ترومان إعتراف الولايات المتحدة ﺒ «دولة إسرائيل»، وجاء ذلك بعد 11 دقيقة من إعلان تل أبيب قيام «الدولة الإسرائيلية» على أنقاض فلسطين التي كانت تحت الإنتداب البريطاني وسلَّمها الإنكليز بموجب وعد بلفور (2 تشرين الثاني 1917) تسليم اليد إلى اليهود المهجَّرين من دول أوروبا والإتحاد السوفياتي والولايات المتحدة تهجيراً من جانب هذه الدول للتخلص منهم.
الإطلالة الخليجية الجديدة للرئيس ترمب تحدُث في زمن عربي حافل بالمآسي الناشئة عن العدوان الإسرائيلي الذي أخذ نتنياهو مداه مطْمئناً إلى الحليف الأميركي لإسرائيل رئيساً تلو رئيس منذ الرئيس الثالث والثلاثين ترومان الذي تباهى بأنه لم يتريث في إعتراف الولايات المتحدة بإسرائيل بضعة أسابيع للتشاور مع رموز القيادة الأميركية، أو على الأقل يوماً أو يومين لإحترام الشأن الأميركي وعدم مباغتة شعب الولايات المتحدة بإعتراف متعجل بدولة لليهود في فلسطين العربية – الإسلامية – المسيحية حاضنة المسجد الأقصى وكنيسة القيامة.والإطلالة الخليجية إقتصرت على قادة دول الخليج، فيما إطلالته الأولى كانت أكثر رحابة حيث دعا خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز قادة دول إسلامية وعربية شاركوا في التشاور، الذي تم مع ترمب خلال زيارته الأُولى للمملكة مباشرة بعد فوزه بالرئاسة عام 2017.
زيارة رسمية
وهكذا مباشرة بعد الفوز السابق تكون الزيارة الرسمية الأُولى له هي الرياض كما الأُولى أيضاً بعد فوزه المبهر بالرئاسة، مع ملاحظة أن مشاركته في تشييع جنازة البابا فرنسيس السبت (4.26. 2025) الذي رحل عن 88 عاماً كانت واجباً وشاءت المشاركة أن تعود عليه بما كان لم يتوقعه أو ربما بذل مسعى في هذا الصدد وهو أن يكون الخلَف للكنيسة الكاثوليكية وللمرة الأولى أميركياً (روبرت بريفوس وإسمه الفاتيكاني «ليون 14») من مواليد شيكاغو يوم 14. 9. 1955 (أصغر سناً من ترمب مواليد 1946) والذي تم إنتخابه وفق طقوس الفاتيكان.
زيارة ترمب الجديدة كما زيارته السابقة المثيلة لها بعد فوزه بالرئاسة أيضاً (2017) تجعلنا نستحضر ذلك اللقاء التاريخي الذي تم على متن طراد في البحيرات المرة ( قناة السويس) يوم 15 شباط 1945 بين الملك عبدالعزيز رحمة الله عليه والرئيس الأميركي وأهميته في أن الرئيس فرانكلين روزفلت رأى الإصغاء المباشر إلى الملك وفي الوقت نفسه يؤسس لعلاقة أميركية – سعودية لا تضطرب مساراتها مع الذين سيحكمون الولايات المتحدة بعده. وها نحن نرى في مبادرة الرئيس ترمب ودون غيره من الرؤساء الذين تعاقبوا على البيت الأبيض نوعاً من الإقتباس للذي إرتبط بالرئيس روزفلت والذي سمع في حينه من الملك كلاماً ربما لا يتحمله رئيس الولايات المتحدة من حاكم آخر، وبالذات قول الملك عبدالعزيز عند التحادث في موضوع مخططات تهجير اليهود إلى فلسطين ومساعدتهم على إنشاء دولة يهودية تلغي دولة فلسطين العربية – الإسلامية – المسيحية. ومما هو موثَّق في سيرة الملك عبدالعزيز قوله في هذا الشأن في مذكرة للرئيس روزفلت «إننا نوضح بصراحة ووضوح إن مساعدة الصهيونية في فلسطين لا تعني خطراً يهدد فلسطين وحدها، بل إنه يهدد سائر البلاد العربية. إن مطامع اليهود ليست في فلسطين وحدها، فإن ما أعدوه من العدة يدل على أنهم ينوون العدوان على ما جاورها من البلدان العربية.
ولا شك إن هذه أمور ينبغي أخْذها بعين الإعتبار في إقرار السلام في العالم عندما ينظر في قضية فلسطين، ففضلاً عن أن حشد اليهود في فلسطين لا يستند إلى حجة تاريخية ولا حق طبيعي، وأنه ظُلم مطْلق، فهو في الوقت نفسه يشكِّل خطراً على العرب، وعلى الشرق الأوسط. وصفوة القول إن تكوين دولة يهودية في فلسطين سيكون ضربة قاضية على كيان العرب ومهدِّداً للسِلم في إستمرار...».
ما أشبه أحوال اليوم بكلام الملك عبدالعزيز قبل أن يقيم الغرب البريطاني – الأميركي بشكل خاص وتدعيم لا حدود له، دولة إسرائيل التي منذ العام 1948 وهي تمارس العدوان على أنواعه ومن دون أن تأخذ في الإعتبار أن الدول المجاورة لحدودها تربطها أوثق العلاقات بالولايات المتحدة ودول أوروبا عموماً.
علاقة متميزة
ومَن يلام في ذلك هم رؤساء أميركا الذين كان عليهم أن يقرأوا بعناية حرص الرئيس روزفلت على أن يلتقي الملك عبدالعزيز ويصغي إلى تحذيراته. لعل الرئيس ترمب في إطلالته الثانية المتميزة على السعودية ودول الخليج يسمع من الملك سلمان ومن ولي عهده الأمير محمد ما هو أكثر من التـــــــــنبيه، وأقل لدواعي العلاقة المتميزة من التحذير، وبما يصحح ما إقترفه بإصطفافه إلى جانب المعتدي على مدار الساعة على العرب متمثلين بفلسطييني غزة.
وهي خير فرصة لحسم خيار دولة فلسطينية وللتصحيح عموماً.. ونكاد نقول للتكفير عن الذنب. والله شاهد على ما جرى وما زال يحدُث.