الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قمة بغداد.. خطاب بلا مضمون أم فرصة مهدورة؟

بواسطة azzaman

قمة بغداد.. خطاب بلا مضمون أم فرصة مهدورة؟

محمد علي الحيدري

 

وسط احتفالية رسمية طغى عليها الإخراج البروتوكولي والرهانات الرمزية، انعقدت قمة بغداد الرابعة والثلاثون في لحظة عربية مأزومة، حيث تتزاحم الأزمات من فلسطين إلى السودان، وتتداخل الحسابات الإقليمية والدولية في عمق القرار العربي. ومع ذلك، جاء إعلان القمة في لغته ومضامينه أقرب إلى البيان الإنشائي المكرر منه إلى تصور فعلي لمسؤولية جماعية أو خريطة طريق قابلة للتنفيذ.

ما طُرح في قمة بغداد من دعم القضية الفلسطينية، والتأكيد على “الهوية العربية للقدس الشرقية”، وتكرار الحديث عن مبادرة السلام العربية، لم يخرج عن دائرة البلاغة الدبلوماسية التي أثبتت على مدى عقدين فاعليتها المحدودة في مواجهة وقائع الاحتلال والاستيطان والعدوان المتجدد. فلا آليات ضغط، ولا تعهدات فعلية، ولا حتى موقف نقدي من سياسات التطبيع التي باتت تكرّس تطبيعًا بلا مقابل، خارج كل منطق المبادرة العربية التي تتمسك بها البيانات، بينما تتجاوزها السياسات.

أما عن الأزمات الإقليمية الأخرى – كسوريا واليمن وليبيا – فقد حضر “الحرص على الحلول السلمية” بوصفه لازمة لغوية خجولة لا ترقى إلى مستوى الموقف أو التأثير. غابت في النصوص الإشارة إلى مسؤوليات واضحة، وتلاشت الحدود بين المجرم والضحية، بين التدخلات الهدامة ومحاولات المصالحة. بدا البيان وكأنه يعيد تدوير المواقف دون أي مراجعة حقيقية لمسؤولية الأنظمة العربية في إطالة الأزمات أو إعادة إنتاجها.

اللافت في قمة بغداد أيضًا هو الخطاب الذي رُفع فيه العراق كجسر للتلاقي ووحدة الصف العربي، وهو خطاب نبيل نظريًا، لكنه يصطدم بواقع داخلي غير مستقر، واستقطاب سياسي عميق، ومحدودية في القدرة على المبادرة الإقليمية الفاعلة. فالعراق، الذي يطلب موقع الوسيط الجامع، لا يزال يواجه تحديات تتعلق بهويته السياسية واستقلال قراره الوطني، ناهيك عن استحقاقات التنمية والسيادة. فكيف لمركز غير متماسك أن يستقطب محيطه ويعيد ترميم بنيانه؟

حتى مشروع “طريق التنمية”، الذي لوّحت به بغداد كعنوان للتكامل العربي، لم يحظَ في البيان الختامي إلا بإشارة مجاملة لا تعكس أي التزام جماعي حقيقي، مما يجعل هذا المشروع الطموح في مهب الحسابات القُطرية المتضاربة والغياب المؤسسي للقرار الاقتصادي العربي الموحد.

إن القمم العربية، كما أثبتت التجربة، لم تعد قادرة على إحداث اختراقات في ظل غياب الإرادة السياسية المشتركة، وضعف المؤسسات الجامعة، واستمرار تعويل بعض العواصم على القوى الخارجية أكثر من شراكاتها الإقليمية. فقمة تُنعقد بلا تمهيد شعبي، ولا رقابة برلمانية، ولا مساءلة داخلية، هي مناسبة أخرى لمراكمة البيانات، لا لتصحيح المسار.

قمة بغداد كانت يمكن أن تكون لحظة مفصلية تعيد للعالم العربي صوته الجماعي وموقعه في الخريطة الدولية المتغيرة. لكنها، بكل أسف، عبرت كمن سبقتها: خطاب بلا مضمون، وصور بلا أثر، وإعلان بلا إعلان حقيقي عن تحول. وإن كان ثمة من فضل في هذه القمة، فهو أنها كرّست الحاجة الملحة لإصلاح النظام العربي قبل أن يتآكل صوته إلى الصمت.

 


مشاهدات 221
الكاتب محمد علي الحيدري
أضيف 2025/05/18 - 2:07 PM
آخر تحديث 2025/05/19 - 11:58 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 43 الشهر 24858 الكلي 11018862
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/5/20 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير