لامات شمسية وجراح الطفولة
بشرى الحمداني
لم اعتد متابعة المسلسلات في شهر رمضان المبارك ولكن عملي في مجال الاعلام وفضولي في متابعة ما بات الشارع العربي في موضوع ( تحرش الاطفال ) دفع فضولي لمتابعة حلقات مسلسل لام شمية عبر احدى منصات التواصل الاجتماعي ويرمي المسلسل حصى في بحر ساكن لا قرار له ، فالمجتمع العربي الذي تحكمه عادات وتقاليد تحتم علينا او هكذا نشأنا ان نغض البصر ونصمت عن جرائم انسانية اجتماعيه نتعرض لها كل يوم وتغليفها بهالة سميكة اسميناها ( عيب ، حرام ) تدور أحداث العمل حول ظاهرة التحرش بالأطفال وما يلحقه بالضحايا من أذى، وكيف يتعامل الأهل مع الأمر بين الدعم وعدم التصديق خاصة حين يكون المتحرش شخصا مقربا للعائلة ومن غير المتوقع أن يكون هو الشرير بالحكاية. .
المسلسل يطرح جريمة اعتدنا سماع همسها كل يوم في مجتمعاتنا العربية المحافظة ويخشى الاهالي مجرد البوح بها ( طفل تعرض للتحرش من قبل احد استاذته ( صديق والده المقرب ) في المدرسة الابتدائية تكشف الام الامر مصادفة وتبدأ رحلة الدفاع عن ابسط طفلها وفضح ما تعرضه له من انتهاك وتحرش جسدي .
مسلسل وضع النبته الاولى في تربة كان الزرع فيها عيبا ان لم يكن حرام ، اشهر قليلة ويعاد ذات السيناريوا في ذات الدولة و البطولة تتكرر للام التي حاربت المحتمع والخطوط الحمراء ووو لفضح وكشف ما تعرض له طفلها البالغ من العمر سبعة اعوام .
يُبرز المسلسل جهل المجتمع في التعامل مع ضحايا التحرش، والخوف من تصديق الطفل عند كشفه للحقيقة. بدلًا من دعمه، مما يزيد من معاناته النفسية ويدفعه أحيانًا إلى الصمت خوفًا من الإهانة. هذه نقطة مهمة توضح كيف أن عدم احتواء الضحية يؤدي إلى تفاقم المشكلة بدلًا من حلها.
إضافة إلى ذلك، يُسلط المسلسل الضوء على خطورة الثقة العمياء في الأقارب، حيث يفترض الكثيرون أنهم خارج دائرة الشك، بينما الواقع يُثبت أن المعتدي غالبًا ما يكون شخصًا قريبًا من الضحية. هذا ما يجعله أكثر قدرة على استغلال ثقة العائلة وفرض سلطته على الطفل، مما يزيد من صعوبة كشف الجريمة واتخاذ الإجراءات اللازمة. المسلسل يُظهر بوضوح كيف أن الخطر لا يأتي دائمًا من الغرباء، بل قد يكون أقرب مما نتخيل، وهو ما يستدعي زيادة الوعي وعدم استبعاد أي احتمال عندما يتعلق الأمر بحماية الأطفال.
أغلب ردود أفعال الجمهور إيجابية تجاه العمل بين مستمتع ومنبهر بالمستوى الفني، مع ردود أفعال أخرى أكثر إيجابية، إذ بدأ قطاع من الأهل يسألون عن علامات تعرّض الأطفال إلى التحرش الجنسي وكيف السبيل للتعامل مع من يمرون بتجارب مشابهة، في ظل إقدام مختصين نفسيين لتقديم المشورة والنصائح المجانية على منصات التواصل.
تنتهي التغطية عند هذا الحدّ، وتبقى الصورة المخزنة بين أجهزة الأنظمة المعلوماتية التي تحتفظ بذاكرة طويلة الأمد شاهدةً على واقع هؤلاء الأطفال ووصمة عار تلاحقهم، ليطرح التساؤل الأهم: هل ساهمت وسائل الإعلام عبر هذه التغطيات في إحداث تغيير أو على أقل تقدير في تحريك ما هو ساكن؟
وبعد كل ما تقدم يبقى السؤال الاكثر الحاحا .. كم طفل عربي يملك الجرأة اليوم للحديث عن ما يتعرض له سواء من المحارم ام غيرهم ؟ كم من عربي رجل ام امرأة قادر على الحديث عن انتهاكات طفولة دمرت حياته واحالته شخص ضعيف ، خائف ، منعزل ، بلا شخصية ؟ بل كم من بيت عربي اقدم على مساعدة ابناءه في تجاوز ازمات الطفولة والانتصار عليها ؟ انا على يقين ان هناك الكثير الكثير مما يختبىء وراء ستار العيب والتربية الصارمة والخوف من المجتمع ونظرة الناس وووو .
المسلسل يدق جرس الخطر لاعادة احتضان اطفالنا والحديث معهم ، فالتربية ليست ملابس فارهة يرتديها الطفل وطعام والعاب يقتنيها التربية بناء اللبنة الاساسية في حياة الشخص النفسية .
في نهاية الأمر ما نحتاجه على أرض الواقع صحافة متخصصة بقضايا الطفولة، تنطلق من نهج حقوقي أيضا وتحرك ما هو ساكن وتضع بذرة التغيير، وتحرص على الدفاع عن قضايا الطفولة، وقبل هذا وذاك حمايتهم من أية انتهاكات أو تجاوزات مهنية.
غابت عن غالبية التغطيات الإعلامية والتقارير الصحفية المتخصصة إيراد الأرقام التي من شأنها أن تجعل الجمهور يقف على واقع الحال، وعلى الفجوة بين ما هو قائم وما يجب أن يكون.