الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
وزارة الحقيقة العراقية

بواسطة azzaman

وزارة الحقيقة العراقية

منقذ داغر

 

( الحرية هي العبودية...الجهل هو القوة...الحرب هي السلام)

هذه هي الشعارات التي كانت ترفعها وزارة الحقيقة في دولة أوقيانيا التي كان الأخ الأكبر يحكمها في رواية جورج أورويل الخالدة المسماة (1984) والتي كتبها في عام 1948 وطالما تمنيت تدريسها في مناهجنا الدراسية. تتلاعب وزارة الحقيقة من خلال هذه الشعارات باللغة والمفاهيم لجعل المواطنين يقبلون السلطة دون شك أو مقاومة. إنها تجسيد لمفهوم «العقل المزدوج» (Doublethink).

حروبٍ عبثية

حيث يُطلب من الناس الإيمان بأفكار متناقضة دون إدراك التناقض. فمن أجل الحرية كما يراها الأخ الأكبر نقبل بالعبودية،ومن أجل قوة (الجماعة) نقبل بالجهل وتغييب العقل، ومن أجل السلام كما يريده الأخ الأكبر نستمر بحروبٍ عبثية لانهائية !!  لاحظوا أن مصطلح وزارة الحقيقة يعني وجود حقيقة واحدة لا سواها يحتكرها الأخ الأكبر ويسوّقها كما يشاء لشعب اوقيانيا (المستعبد لكنه حر، والجاهل لكنه قوي، والمعبأ للحرب من أجل السلام)!!!

حين تم الغاء وزارة الاعلام في العراق ظن كثير من المثقفين أنه قد تم التخلص من وزارة الحقيقة العراقية وأن نبوءة اورويل لم تتحقق. لكن ما لم يدركه هؤلاء أن المشكلة لا تكمن في وزارة الحقيقة وانما في الأخ الأكبر. فوزارة الحقيقة هي تجسيد عملي لإرادة وعقلية وثقافة الأخ (الفرعوني) الأكبر الذي يخاطب شعبه بتعجرف وغرور وقوة قائلاً لهم “لا اريكم الا ما أرى ولا اهديكم الا سبيل الرشاد». فوزارة الحقيقة هي أداة لضبط «الرعاع» وتدجين السِباع، وتسييد الضباع.

هل فعلاً تمت الإطاحة بالاخ الأكبر أم تم استبداله؟ انه السؤال الأكثر تداولاً بين العراقيين الذين يؤمنون أن واقع العقدين الماضيَين يثبت ان أخانا الأكبر تم استنساخه بعدة نسخ ليصبح لدينا اليوم (مجلس الأخ الأكبر) المكوّن من عدة زعماء سياسيين باتوا يتقاسمون «الحقيقة» المطلقة التي لا يستطيع عامة الشعب تحديها او التشكيك فيها.

منصات إعلامية

وبدلاً من وجود وزارة حقيقة واحدة فقد بات لدينا وزارات للحقيقة تعبر كل واحدة منها عن رأي زعيمها الأكبر.

هذه «الحقيقة» التي تبثها وتروج لها منصات إعلامية حزبية تمتلك ذات أدوات السلطة التي كان يمتلكها الحزب الحاكم في دولة اوقيانيا. فكل قناة تلفزيونية او منصة رقمية مملوكة لأعضاء (مجلس الأخ الأكبر) المبشرين بالجنة ونعيمها والدنيا وعظيمها   لديها حزب يأويها، وسلاح يحميها، ومال يربيها.

في دولة اوقيانيا التي نعيشها يُستعبد الصغار فيسجنون ويمنعون من الحديث والنشر، ويتسيّد الكبار فيروجون لما يريدون من طائفية باسم الديموقراطية، ومن جهلٍ باسم الأيمان، ومن عبوديةٍ باسم المكوّن، ومن حروب باسم الكرامة.

أنها الدولة التي تحتكر فيها الحقيقة فلا يرى سواها، وتعــــــــــــلّب فيه الحرية فلا تتجاوز ما وراها، وتغلّب فيه مصالح الأخ الأكبر فلا يرى الّاها.

 

 


مشاهدات 51
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2025/05/06 - 4:31 PM
آخر تحديث 2025/05/07 - 3:27 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 200 الشهر 7584 الكلي 11001588
الوقت الآن
الأربعاء 2025/5/7 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير