النورُ يتسللُ رغم القضبان

ثامر مراد

في عالمٍ يضيقُ أفقُه كلما اشتدَّت حولنا القيود، وتثاقلت فوق أرواحنا جدرانُ الخوف والحزن، يظلُّ هناك صوتٌ خافتٌ في أعماقنا يردد هذه الحقيقة الخالدة: النور لا يُحبس، والأمل لا يموت، والشمس لا تنسى أن تشرق، حتى وإن تكدست الجدران وأغلقت النوافذ.

كم مرةً ظنَّ الإنسان أن ليله سيطولُ للأبد؟ كم مرةً خُيّلَ له أن قضبان السجن قادرةٌ على إلغاء وجود النور؟ لكن الحقيقة الثابتة عبر العصور هي أن الشمس أقوى من كل جدار، وضوءها يعرفُ كيف يجد ثغرةً في أصعب اللحظات لينفذ منها، ليعلن لنا بكل تواضع أن الحياة لا تتوقف، وأن الغد قادمٌ مهما كان الليل طويلًا.

حروف بسيطة تختصر فلسفة الحياة كلّها؛ فلسفة تعاندُ الانكسار، وتُعلي من قيمة الصبر والثبات. الجدران والقضبان هنا ليست مجرد كتل إسمنتية وحديدية، بل رموزٌ لكل ما يكبّل الإنسان في حياته: من ظُلمٍ وقهر، من فقرٍ ووحدة، من يأسٍ وفقدٍ، من فقدان الأحبة وتراكم الخيبات. ومع ذلك، وفي أقصى لحظات الألم، تظهرُ الشمس، يتسلل النور، ويزهر الأمل.

عندما نقف أمام صورة الحطام، قد يبدو المشهد للوهلة الأولى قاتماً، خالياً من أي بذور للحياة. فالحطام يمثل نهاية، انهيار شيء كان موجوداً، تفتت حلم أو فقدان استقرار. لكنه — في عمق رمزيته — يحمل أيضًا بداية جديدة. فالنبتة التي تشقُّ طريقها من بين الأنقاض، تحمل رسالة عميقة للروح: بعد كل دمار، هناك حياة تنتظر فرصة الولادة. الشمس لا تستأذن الجدران قبل أن تشرق، كما أن الأمل لا ينتظر ظروفاً مثالية كي يولد. النور يرفض الاستسلام، تمامًا كما يجب على الإنسان أن يرفض السقوط في بئر اليأس.

العالمُ مليء بالجدران، بعضها صامتٌ من حجر، وبعضها الآخر أقسى؛ جدرانٌ من قلوب البشر، من الخيبات، من الظلم والعجز. ومع ذلك، يبقى النور عنيدًا، يبقى الأمل مقاومًا، ويبقى الحطام مجرد بداية لولادة روح جديدة أكثر نضجًا.

لذلك، حين نقفُ أمام قسوة الواقع، حين تضيقُ المساحات، ونشعرُ أن كل شيء انتهى، لا بد أن نتذكر هذا النص جيدًا، ونتأمل فيه:

الشمسُ تشرقُ رغم الجدران، النورُ يتسللُ رغم القضبان، والأملُ ينبتُ في قلب الحطام.

إنها ليست مجرد جملة؛ إنها تعويذةُ حياة، رسالةٌ للأرواح المتعبة، وجرعةُ ضوء لمن ظنوا أن الظلام انتصر.