الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
العيد بين الأمس واليوم

بواسطة azzaman

العيد بين الأمس واليوم

مروان صباح الدانوك

 

العيد ليس مجرد يوم يُضاف إلى روزنامة الحياة، بل هو طقس قديم متجدد، كان ينهض ذات فجر بعيد ليوقظ القلوب قبل العيون، وكانت بسماته تمتد على الوجوه كضوء الفجر الأول. لكنه اليوم، ككل شيء حولنا، تغيّر... أو ربما نحن من تغيّرنا.

كان العيد قديمًا يشبه شجرة وارفة، جذورها ممتدة في الأرض، وأغصانها تظلل الجميع. كانت البيوت تضج بالحركة قبل أيام، حيث تجتمع الأيدي لصنع الحلويات كما لو أنها تنسج فرحًا مشتركًا. لم تكن هناك متاجر فاخرة ولا تطبيقات توصيل، بل كانت الروائح تنبعث من المنازل، وكأنها رسائل محبة تبعثها الأمهات إلى شوارع الحي. كان الأطفال يعدّون العيدية قبل أن يحصلوا عليها، يرسمون الأحلام الصغيرة حولها، ويفكرون كيف سينفقونها على ألعاب خشبية بسيطة أو أكياس الحلوى التي يقتسمونها بسخاء طفولي.

ضوء باهت

اليوم، تغيرت الملامح وتبدّلت الطقوس. أصبح العيد أشبه بضوء شاشة هاتف، خاطفًا، سريعًا، باهتًا أحيانًا. الرسائل الجاهزة حلّت مكان الزيارات، وموائد الفرح صارت صورًا تُنشر لا جلسات تُعاش. ضاقت المسافات في العالم الافتراضي، لكنها اتسعت في الواقع، فأصبح السؤال عن الأحوال مجرد إشعار يظهر على الشاشة، يردّ عليه البعض بملصق تعبيري، ثم يغيب كما لو لم يكن.

حتى العيدية التي كانت تشبه كنزًا صغيرًا في يد طفل، صارت تُرسل رقميًا، بلا فرحة الانتظار، بلا حوار بين الجدّ وحفيده، بلا حكاية يرويها الأكبر للأصغر عن أيام كان فيها العيد أشبه بمهرجان للحياة.

ليس العيد وحده من تبدّل، بل نحن من سمحنا للوقت بأن يسلبنا بهجتنا الحقيقية. لم يعد العيد موعدًا للمصافحة، بل يومًا للمنشورات، ولم يعد لقاء القلوب، بل موسمًا للتسوق والعروض. ومع ذلك، تبقى جذور العيد ضاربة في الذاكرة، تذكّرنا بأن البهجة الحقيقية لا تباع في الأسواق، بل تُصنع بالمحبة، كما كانت تُصنع قديمًا فوق أفران الطين وفي قلوب تنتظر العيد لتفرح، لا لتستهلك.

 


مشاهدات 67
الكاتب مروان صباح الدانوك
أضيف 2025/04/12 - 2:00 AM
آخر تحديث 2025/04/13 - 2:46 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 262 الشهر 11832 الكلي 10592479
الوقت الآن
الأحد 2025/4/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير