الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
المعلم العراقي بين الواجب والمعيشة

بواسطة azzaman

المعلم العراقي بين الواجب والمعيشة

 توزيع الملاكات الوطنية وخلق مساحة للكرامة

همام طه

 

الملخص التنفيذي:

يهدف هذا المقترح إلى معالجة الأزمة المعيشية التي تعاني منها شريحة المعلمين والمدرسين في العراق، دون الإضرار بسير العملية التربوية. يرتكز المشروع على مبدأ إعادة توزيع الموارد البشرية داخل الدولة، بحسب التخصص العلمي والحاجة الفعلية، من خلال توفير إطار قانوني وتنفيذي لانتقال الموظفين من وزارات أخرى إلى وزارة التربية، بشرط توفر المؤهلات التربوية أو العلمية المناسبة، وإعادة تأهيلهم للمساهمة في العملية التعليمية. وبموازاة ذلك، يتم تقليص عدد ساعات الدوام اليومي لجميع المعلمين (الحاليين والمنتقلين إلى الوزارة حديثاً) عبر نظام التناوب أو الدوام الجزئي، مما يخفف العبء عن الجميع، ويتيح لهم فرصة العمل الإضافي خارج الدوام لتحسين دخلهم، دون المساس بحق الطالب في تلقي التعليم الكامل. يسعى المشروع إلى تحقيق التوازن بين استدامة التعليم وكرامة المعلم، وهو قابل للتنفيذ ضمن إمكانات الدولة الحالية.

مدخل: عندما يتحول التعليم إلى عبء

يواجه المعلم العراقي اليوم تحديات جسيمة، ليس فقط داخل الصفوف وبين المناهج، بل في حياته اليومية التي تزداد قسوة وسط أزمات معيشية وضغوط نفسية متراكمة. التعليم الذي كان يُنظر إليه كرسالة بات في نظر كثيرين «عبئاً لا يُحتمل»، ينهك الجسد ويستنزف الوقت، دون مقابل مادي يحفظ كرامة من يحمل على عاتقه مسؤولية بناء الأجيال.

ومع تكرار الإضرابات والاحتجاجات، بات من الواضح أن الحلول الترقيعية لم تعد مجدية، وأن الدولة مطالبة بتفكير خارج الصندوق يوازن بين استدامة التعليم وصون كرامة المعلم.

بين عجز الدولة وحقوق المعلم

في ظل العجز المالي المزمن الذي تعاني منه الدولة العراقية، أصبح من الواضح أن الاستجابة لمطالب الكوادر التعليمية عبر امتيازات مالية أو عينية مباشرة (كالزيادة الكبيرة في الرواتب، أو توزيع قطع الأراضي السكنية) بات أمراً صعب التحقيق على المدى القريب.

ومع ذلك، لا ينبغي أن يُترك المعلم يواجه مصيره وحده وسط هذه الضغوط. فإذا لم تستطع الدولة أن تُنصفه من خلال الراتب، فعليها أن تنصفه من خلال ظروف العمل.

إن تخفيف العبء الوظيفي وتقليل ساعات الدوام، بما يراعي الضغوط المعيشية للمعلم ويمنحه فرصة لتحسين دخله بطرق أخرى، ويحفظ حقوق الطلبة في تعليم جيّد ومستدام، يُعد امتيازاً وظيفياً معقولاً وممكن التحقيق، ينسجم مع الواقع المالي للدولة ويعزز من صمود المعلم داخل المؤسسة التعليمية.

بهذا الشكل، يتحقق نوع من العدالة النسبية: المعلم يؤدي ما يتناسب مع ما يتقاضاه، دون أن يُسحق تحت نظام دوام مجهد مقابل راتب لا يكفي، ودون أن يشعر بأن الدولة أدارت ظهرها له.

جوهر الفكرة: مشروع وطني لإعادة توزيع الكوادر

يقترح هذا المقال رؤية عملية تقوم على انتقال موظفين من وزارات أخرى إلى وزارة التربية لتوسيع الكادر التعليمي، مما يُتيح للكادر المدرسي (المعلمين الحاليين والمنقولين الجدد) العمل بنظام دوام جزئي مرِن (ساعات محددة يومياً وأسبوعياً)، فيتحسن وضعهم المعيشي من خلال تخصيص وقت كافٍ للعمل الحر أو المشاريع الخاصة، دون التأثير على انتظام الدوام للطلبة أو سير العملية التربوية.يرتكز المشروع على مبدأ الاستثمار في رأس المال البشري، ومناقلة المِلاكات بين الوزارات، بما يحقق المصلحة العامة.

أولاً: لماذا نحن بحاجة إلى هذا الحل؟

1- أزمة معيشية خانقة تضغط على الكوادر التربوية وتؤثر على دافعيتهم المهنية وأدائهم في الصف وجودة التعليم.

2- فائض وظيفي في عدد من الوزارات، يضم آلاف الموظفين المؤهلين (خريجي كليات التربية والعلوم). إن الترهل الوظيفي في عدد من الوزارات هو مشكلة بيروقراطية ومؤسسية تعاني منها الدولة، وسيسهم هذا المقترح في معالجتها. كما أن هنالك خلل في توزيع الموظفين على الوزارات من حيث التخصص الدراسي، ولذلك فإن نقل خريجي كليات التربية والكليات الساندة إلى وزارة التربية سيعالج هذه المشكلة جزئياً أيضاً.

3- انغلاق فرص تحسين الدخل أمام المعلم بسبب طبيعة الدوام الكامل، مع رغبة قطاع واسع من الكوادر التدريسية في تقليل العبء اليومي مقابل فتح باب العمل الحر لهم.

4- التعليم الخصوصي المُنهك صار الملاذ الوحيد للمعلم لتحسين وضعه، لكنه حل غير عادل للطلاب ولا منصف للمعلمين.

5- ضعف جودة التعليم العام بسبب الإرهاق المزمن الذي يعانيه المعلمون.

6- الدوام الكامل الحالي للمعلمين، في ظل الظروف المعيشية الصعبة، لا يتناسب مع الراتب الذي يحصل عليه المعلم، كما لا يسمح لهم بتحسين دخلهم إلا عبر اللجوء إلى أعمال إضافية مجهدة تؤثر على عطائهم في الصف. الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى معالجة واقعية تضمن تحسين ظروف العمل للمعلمين دون المساس بحق الطالب في تلقي التعليم الجيّد والمتكامل والمستدام.

7- امتصاص نقمة وسخط الكوادر التربوية، لا سيّما في ظل إمكانية تفعيل شراكة حقيقية مع نقابة المعلمين من خلال إدماجها في قيادة الحل بدل معارضته.

8- نقص الكوادر التعليمية في بعض المدارس وتكدّسها في مدارس أخرى، حيث سيُسهم دخول موارد بشرية جديدة إلى العملية التعليمية، وتفعيل الدوام الجزئي واستثمار الطاقات بشكل متوازن، في حل هذه المشكلة.

ثانياً: ملامح المشروع المقترح

1- نقل موظفين إلى التربية:

يُفتح باب النقل الطوعي لموظفي الوزارات الأخرى من خريجي الكليات التربوية والعلمية إلى مِلاك وزارة التربية، ويتم تدريبهم من خلال دورات مكثفة في طرائق التدريس، بإشراف وزارة التعليم العالي.

2- توزيع الشُعب الدراسية على أكثر من معلم:

يتم تقسيم شُعب كل مرحلة دراسية داخل المدرسة الواحدة بين عدد من معلمي المادة الدراسية، فمثلاً: إذا كان هنالك ثلاث شُعب للصف الرابع الابتدائي فتُقسَّم على ثلاثة معلمين مختلفين لمادة الرياضيات. بما يؤدي إلى تقليص دوام كل معلم إلى ساعات محددة يومياً وأسبوعياً، أي بما يعادل التفرّغ لتدريس شعبة واحدة فقط، مع بقاء الدوام كاملاً للطلاب. هذا التقسيم يضمن الاستمرارية التعليمية، ويحدد لكل معلم مسؤولية محددة ومركّزة، كما يمنحه مساحة زمنية حرة.

3- بقاء الدوام كاملاً للطلبة:

يضمن هذا المقترح انتظام العملية التعليمية بالكامل من خلال التغطية الجماعية للعملية التعليمية عبر عمل المعلمين كفريق متناغم داخل المدرسة، دون الإخلال بساعات التدريس أو تفريغ الصفوف أو التسبّب في هدر تعليمي أو تسرّب مدرسي.

4- إعادة هيكلة الجداول المدرسية:

يتم توزيع الحصص بشكل متوازن بين المعلمين الحاليين والمعلمين المنقولين الجدد، مع إعداد دليل إرشادي مرِن لإدارة التناوب أو الدوام الجزئي.

5- إشراك النقابة:

تدخل نقابة المعلمين كشريك للحكومة في هذا المشروع، في بناء الرؤية والتخطيط والتنفيذ والمراقبة، بما في ذلك تقييم نتائج المشروع بعد عام من تطبيقه.

ثالثاً: الآثار المتوقعة

1- تحسين جودة حياة المعلمين نفسياً ومادياً، وتحسين دخلهم دون الحاجة لمغادرة المهنة أو اللجوء للطرق غير الرسمية.

2- تحقيق توازن في الجدول المدرسي وسدّ النقص دون اللجوء إلى التعيينات الكثيفة التي تثقل الموازنة.

3- معالجة ظاهرة البطالة المقنّعة في الدولة، واستثمار الموظفين غير المستغلين في الوزارات ضمن قطاع حيوي ومؤثر هو التعليم.

4- تراجع الحاجة للدروس الخصوصية التي ترهق الطالب والمعلم.

5- خلق ديناميكية جديدة في بنية التعليم الحكومي، وتجديد البنية الوظيفية للمدرسة بما يعزز الكفاءة والتفرغ النوعي.

رابعاً: شراكة لا صِدام مع النقابة

لكي ينجح هذا المشروع، ينبغي أن يُطرح على نقابة المعلمين كشريك تنفيذي لا كخصم. فالنقابة، بصفتها الممثل الشرعي للمعلم، يمكن أن تضطلع بدور رقابي وتنظيمي، وتشارك في تقييم المشروع وتعديله بما يضمن المصلحة العامة. المقترح ليس انتقاصاً من دور المعلم، بل محاولة واقعية لدعمه عبر «تحريره» من عناء الدوام القاسي مقابل دخل لا يكفيه.

خامساً: توصيات للتطبيق المرحلي

1- إطلاق تجربة تطبيقية في محافظة واحدة على الأقل لتقييم الفاعلية والآثار قبل التوسع.

2- تشكيل لجنة مشتركة من وزارة التربية، ووزارة التخطيط، ومجلس الخدمة الاتحادي، ونقابة المعلمين لدراسة الجدوى ووضع خطة تنفيذ.

3- ربط المشروع ببرنامج وطني شامل لتحسين وضع التعليم العام، وبناء القدرات التعليمية، ورفع جودة الخدمة التربوية في العراق، خلال فترة أمدها 5 سنوات.

خلاصة: كرامة المعلم شرط لنجاح التعليم

ليس المعلم آلة تعليمية، بل إنسان له طموحات وحاجات ومطالب مشروعة. وإن كنا نطمح إلى تعليم نافع وشامل، فعلينا أن نبدأ من تحقيق الإنصاف للمعلم، لا بالخطابات، بل بالمشاريع الواقعية.

إن مشروع إعادة توزيع الكوادر الوظيفية وتمكين المعلم وتحسين ظروفه ليس فقط حلاً لأزمة الحاضر، بل خطوة نحو تعليم مستدام وعدالة تربوية وتنمية مؤسسية.

شكر وامتنان: تم إعداد وتطوير هذه الورقة بدعم من المساعد الذكي «ChatGPT»، الذي ساعدني في بلورة الفكرة، وتنظيم هيكلها، وصياغة وإثراء المقال بشكل يُسهّل تقديمه كحل واقعي للمؤسسات المعنية.

 

 


مشاهدات 48
الكاتب همام طه
أضيف 2025/04/12 - 1:59 AM
آخر تحديث 2025/04/12 - 11:30 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 171 الشهر 11741 الكلي 10592388
الوقت الآن
الأحد 2025/4/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير