الإتحاد الأوربي .. لو غاب
فاتح عبدالسلام
كنتُ في البداية من الذين شعروا بالإحباط لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، في ذلك الاستفتاء التاريخي الذي جرى في 23 يونيو 2016، إذ صوّت 51.9 في المائة لصالح الانسحاب
ربما كنتُ من المتحمسين لتسهيلات في التنقل والمداولات الاقتصادية ولوجود كتلة تكسر رتابة الاحتكار الأمريكي لكل شيء، يتيحها هذا التكتل الكبير الذي شكّلت بريطانيا ثقلا نوعيا فيه مع فرنسا وألمانيا واسبانيا وإيطاليا كدول رئيسية. غير انّ نظرة عميقة الى الاتحاد الأوربي ودوره في السلم العالمي بوصفها اهم قضية تهم الدول العربية التي تقع في مدى هجمات إسرائيلية او تحت النفوذين الإيراني او التركي، نجد انّ اوربا تشبه الظاهرة الصوتية التي اصابتها الحشرجة والتي لم تعد صافية. فضلا عن انّ الاتحاد الأوربي الذي حمل لواء إعادة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية قبل أكثر من عقدين، بات منعزلاً، لا يستطيع اختراق جدار التعنت الإسرائيلي في هذا الملف الذي يمكن ان تتأسس عليه عملية سلام حقيقية وتقوم في ضوئها الدولة الفلسطينية.
حتى في لبنان، درة التاج الأوربي الافتراضي في الشرق الأوسط، لم نجد سوى فرنسا تتعامل معه بذلك المنطلق « التاريخي» في الازمات كما حدث في وقت تفجير مرفأ بيروت والذي تسبب في مقتل اعداد كبيرة من المدنيين، وأعقبه زيارات متكررة للرئيس الفرنسي ماكرون الذي ضغط على السياسيين من اجل الخروج بحلول لإنقاذ بلدهم، لكنها كانت ضغوط تتراجع بسرعة امام السقف العالي لنفوذ الجهة الأقوى ، التي كانت في ذلك الوقت حزب الله، كما تتراجع امام كلمة إسرائيل التي تبقى هي الأعلى بين كلمات الدول وقراراتها.
الاتحاد الأوربي في ملف ايران النووي لم يكن قادرا على اجتراح طريق خاص به، حتى بعد عقد الاتفاق الذي نقضه الرئيس ترامب، واليوم لا تستطيع اوربا التصرف بأي اجتهاد مصلحي بعيدا عن الإرادة الامريكية والاختبار واضح في حرب روسيا واوكرانيا. ما فائدة هذا التكتل الهائل إذا لم يستطع ان يكون القوة النوعية المؤثرة في الموازين، بل انه قد لا يستطيع الصمود وحماية ذاته امام ضغط الرسوم الجمركية الامريكية اذا ما أصرّ ترامب على المضي بها حتى اقصى مدى.
لولا فرنسا وألمانيا، لكان الاتحاد الأوربي من دون أي ثقل أساسا، ولا يمكن ان يكون هناك عدم توازي في حركة النمو والتقدم ومواكبة التطور بين دول الاتحاد السبع والعشرين على هذا الفارق الكبير.
لا دور فائق النوعية في السلام العالمي للكتلة الاوربية بعد نصف قرن من قيامها السياسي الجديد، ولا موقف حاسما للكتلة في الحروب ولا تأثير في معادلة التجارة العالمية، وهذا الجانب القى بظلاله على الدول العربية وقضاياهم المهمة. من هذه الزاوية أرى انّ «بريكست” كان قراراً صائباً لبريطانيا، وان الدعوة لتفكيك الاتحاد الأوربي قد تعود بفوائد أكبر على دول الاتحاد ومن ثمّ على دولنا.