فم مفتوح .. فم مغلق
مسلسلات رمضان .. ماراثون بلا نتيجة
زيد الحلي
أعياني البحث طويلًا عن اسم الشخص الذي فكّر لأول مرة في حصر إنتاج الأعمال التلفزيونية والإذاعية خلال 11 شهرًا، ليتم عرضها جميعًا في شهر واحد فقط، هو شهر رمضان المبارك. كان هدفي من هذا البحث أن أوجه له العتب، وربما اللوم الشديد، لأن هذا التوجّه في الإنتاج الفني جعل شاشات التلفاز شبه مهجورة طوال العام، حيث يُعاد بث الأعمال السابقة مرارًا وتكرارًا، مما يدفع المشاهد للابتعاد عنها.
هذه الظاهرة ليست مقتصرة على العراق وحده، بل هي حالة عامة تشمل الوطن العربي، وربما العالم الإسلامي بأسره. فمع اقتراب شهر رمضان، يبدأ ما يُسمى بـ»الماراثون الرمضاني»، حيث تتسابق القنوات الفضائية في إنتاج المسلسلات والبرامج، معتقدة أنها تقدم وجبة دسمة ينتظرها المشاهد بفارغ الصبر (في العراق سيعرض 27 مسلسلا محليا)! يبدو أن هذا التهافت على الدراما الرمضانية إرث تاريخي قديم بدأه المصريون، ثم انتقل إلى الفضائيات العربية الأخرى، ومنها إلينا. وللأسف، تحول إلى عادة راسخة نتمنى أن تزول، ليكون لدينا إنتاج درامي مستمر على مدار العام، وليس مقصورًا على موسم واحد فقط. وكما ذكرتُ في مقال سابق، وأشرتُ إليه خلال حديثي مع المخرج وديع نادر، مدير الدراما في شبكة الإعلام العراقي، فإن الحل الأمثل هو العودة إلى نمط التمثيليات التلفزيونية الأسبوعية، أو عرضها بين أسبوع وآخر، على أن تكون ذات نكهة عراقية محببة تجمع بين الكوميديا والتراجيديا، بمشاركة وجوه من الجيل القديم والشباب الصاعد.
أعتقد أن تكلفة إنتاج هذه التمثيليات على مدار العام لا تعادل تكلفة مسلسلين فقط، خاصة أن التمثيلية التلفزيونية تكون بعيدة عن البذخ والمشاهد الخارجية المكلفة، وتعتمد على محاكاة الواقع اليومي بأسلوب بسيط وواقعي. وبهذا، نقضي على بطالة الفنانين، ونمنح الفرصة لبروز نجوم جدد يظلّون في ذاكرة المشاهد. قبل نحو عامين، دعوتُ إلى إعادة إحياء التمثيلية التلفزيونية العراقية، باعتبارها إرثًا فنيًا ما زال حاضرًا في وجدان المجتمع. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الإقبال الكبير على متابعة التمثيليات القديمة التي يعرضها موقع «يوتيوب»، خاصة الأعمال الكوميدية التي تركت أثرًا خالدًا في أذهان الجمهور، مثل سليم البصري، خليل الرفاعي، راسم الجميلي، فخري الزبيدي، ناجي الراوي، محمد القيسي، رضا الشاطئ، أمل طه وغيرهم. كما لا تزال أعمال مثل «تحت موس الحلاق»، «كهوة عزاوي»، و»العرضحالجي» تُذكر بحنين واهتمام. مرت السنوات دون أن نرى تمثيلية تلفزيونية عراقية جديدة تعيد للمشاهد العراقي بهجته، خاصة أن المسلسلات الطويلة لم تعد تناسب ظروف العمل والحياة الاجتماعية، إذ قد يتابع المشاهد حلقة واحدة، ثم يجد نفسه غير قادر على متابعة الحلقات التالية، مما يدفعه للابتعاد عنها تمامًا. ورغم أننا دخلنا أجواء الشهر الفضيل، إلا أن الوقت لا يزال متاحًا، ليس لهذا العام فقط، بل للسنوات المقبلة، لإعادة تقديم تمثيليات تلفزيونية تحمل البهجة إلى حياتنا، بدلًا من برامج الحوارات السياسية التي أصبحت كالرصاص العشوائي، لا يعرف أهدافه ولا يثير اهتمام المشاهدين، خاصة مع تكرار الضيوف، وغياب الحلول عن مضامينها. لذلك، أُجدّد الدعوة إلى عقد اجتماع عاجل يضم كتاب الدراما، ومسؤولي شبكة الإعلام العراقي، ونقابة الفنانين، لبحث آليات تسريع إنتاج تمثيليات تلفزيونية خفيفة تضفي الفرح الذي أصبح حاجة ملحّة، وتخلق فرص عمل لعدد كبير من الفنانين والفنيين.
والله من وراء القصد.
Z_alhilly@yahoo.com