دراسة نقدية تحليلية لقصيدة خلاصات السبعين للشاعر الكبير كاظم الحجاج
عبدالكريم الحلو
تمثل هذه القصيدة تجربة شعرية ناضجة
تحمل في طياتها ملامح السيرة الذاتية للشاعر كاظم الحجاج، وتعكس رؤيته للعراق، الغربة، الحرب، والانتماء. بأسلوب بسيط ولكنه عميق،
ينقل الحجاج مشاعره عن الوطن والمنفى، مستخدماً صوراً شعرية مكثفة وأسلوباً سردياً مشبعاً بالسخرية، الحنين، والتأمل الفلسفي.
البنية والمضمون
تنقسم القصيدة إلى مجموعة من المقاطع
التي تتناول موضوعات متفرقة لكنها مترابطة تحت مظلة تجربة الشاعر الشخصية.
يمكن تصنيف محاورها إلى عدة جوانب أساسية:
1- الذات والهُوية
يبدأ الشاعر بالحديث عن نفسه:
“فخورٌ لأني نحيل ..
لأني خفيف
على أرض هذا العراق .
لا أدوسُ التراب ..
كما داسه الآخرون !”
هنا يعكس الشاعر نظرته لنفسه بوصفه إنساناً بسيطاً غير مثقل بالذنوب أو الجرائم،
على عكس الآخرين الذين ربما دنّسوا أرض العراق. هناك إحساس خفيّ بالنقاء والاعتزاز بالانتماء للوطن، لكنه انتماء يحمل في طياته حزناً ضمنياً.
2- الغربة والحنين إلى الوطن
يعود الشاعر ليؤكد فكرة أن العراق ليس مجرد مكان، بل هو شعور ووجع لا يفارق من يغترب عنه:
“لكلّ البلاد الغريبة عيبٌ وحيد:
عيبها أنها – أينما وجدت –
… فالعراق بعيد !”
الغربة هنا ليست مجرد بعد جغرافي،
بل حالة شعورية يعيشها المنفي في أي مكان،
إذ لا يمكن للوطن أن يُستبدل.
ويواصل الشاعر استحضار العراق في منفى روحه، مستخدماً استعارات بسيطة لكنها مؤثرة،
كما في قوله:
“في الغربة . نبكي ..
والدمعةُ ماءٌ مسجون ..
ينتظر الحرّية
مِن حزنٍ .. قادم !”
3- الجنوب والهوية العراقية
يولي الحجاج اهتماماً خاصاً للجنوب العراقي،
مسقط رأسه، فيرسم صورة للبساطة
والطيبة التي يتمتع بها أهل الجنوب:
“مثل خبز الأرياف ..
– نحنُ أهل الجنوب –
نخرجُ من تنانير أمهاتنا
… ساخنين
لأجل أنْ نليق بفم الحياة !”
هذا التشبيه المميز يعكس العلاقة العضوية بين الإنسان الجنوبي وأرضه، حيث يولد حاملاً حرارتها في جسده وروحه.
كما يقدم وصفاً ساخرًا لطبيعة سكان الجنوب
وطريقة تعاملهم مع الحياة:
“إننا – في الجنوب –
نأكل الخبزَ حتى يعيش بنا
لا نعيش به …”
وهذه الجملة تحمل بعداً فلسفياً عميقاً؛
فالحياة عند أهل الجنوب ليست مجرد بحث عن البقاء المادي، بل عن المعنى والقيمة.
4- الحرب والدمار
تناول الشاعر أيضاً الحرب وما تتركه من آثار نفسية، بأسلوب ساخر حين يتحدث عن الزجّ بالجنود في المعارك:
“وأخبرني جنديّ .
– مثلي في السبعين –
ولم يُقتل بعد :
حتى بين رصاصات الجنود
رصاصات محظوظة :
تلك التي تُخطىء أهدافها
ورصاصات تعيسة :
تلك التي ترتكب أمجاد الحروب !”
هنا يتجلى عبث الحرب،
حيث تصبح الحياة أو الموت مجرد صدفة،
ويصبح المجد الحربي مجرد وهم
يُبنى على جثث التعساء.
وفي تأمل فلسفي عن معنى النصر، يقول:
“وأنا لم أذهب يوماً للحرب .
ولكني أعرفُ :
ما يدعى نصراً – في كلّ حروب التاريخ –
لا يعدلُ نصر الأمّ
.. تحدقُ في المولود .. الخارج تـوّاً”
هذا المقطع يلخص موقف الشاعر من الحرب:
لا انتصار يضاهي انتصار الحياة نفسها،
حيث تصبح الولادة أعظم انتصار ممكن،
في مقابل الدمار الذي تخلفه الحروب.
الأسلوب الفني في القصيدة
1- اللغة والبساطة الموحية
استخدم كاظم الحجاج لغة سلسة،
لا تتعمد التعقيد أو التكلف،
بل تميل إلى المباشرة،
ولكنها تحمل في طياتها عمقاً فلسفياً
وتعبيراً شعرياً بديعاً.
فمثلاً، عندما يقول:
“وحين نزور الحسين :
نفكّ صرّة الحزنِ
بوجه الضريح …”
فهو لا يكتفي بالإشارة إلى زيارة دينية،
بل يجعل من الزيارة طقساً وجدانيًا تتكشف فيه الأحزان المخبوءة.
2- السخرية السوداء
تُعد السخرية إحدى السمات البارزة في شعر الحجاج، حيث يستخدمها لتسليط الضوء على قضايا اجتماعية وسياسية، كما في قوله:
“لم تسعنا غرفةُ التوقيف
– كنّا أربعين –
منعوا أرجلنا أنْ تنثني
فجلسنا .. واقفين !”
هذه المفارقة الساخرة تسلط الضوء
على قمع السلطة بأسلوب تهكمي.
3- التكرار والتوازي
يعتمد الشاعر على التكرار
لإحداث الإيقاع الداخلي
وتعزيز الفكرة، كما في:
“نحنُ في الجنوب …”
“نحنُ البصريين …”
“نحنُ الكسالى …”
هذا التكرار يُضفي على القصيدة طابعاً تأكيدياً ويجعلها أكثر إيقاعاً وتأثيراً.
4- الرمزية والاستعارة
تعجّ القصيدة بالصور الرمزية والاستعارات
التي تفتح أبواب التأويل، مثل قوله:
“هذا الوطنُ المحسود
– الوطنُ التفاحة –
يحميهِ اللهُ من الدود !”
فالتفاحة ترمز هنا إلى العراق المغري للأطماع،
والدود يرمز إلى الفساد والغزاة.
في الختام انحني احتراماً لكل هذا الوجع المزمن
والى الصوره الفلسفية العميقة التي قصت علينا هذه الحكايه واشهد الله اني تسمرت امامها مراراً وتكراراً واختم بالقول انني امام قامة كبيره وسامقة كنخيل البصرة..ارجو ان اكون وفقني ربي في قراءة افكاركم شاعرنا الكبير الاستاذ كاظم الحجاج ...
لانني رأيت هذه النصوص
“خلاصات السبعين” تمثل تجربة شعرية غنية،
تعكس نضج الفكري والادبي والفلسفي والنفسي للشاعر كاظم الحجاج ورؤيته العميقة للحياة والمجتمع والسياسة.
بأسلوب يجمع بين البساطة والسخرية والحكمة، حيث استطاع أن ينقل مشاعر الحنين للوطن،
وألم الغربة، وسخرية الواقع العراقي، ليقدم شهادة شعرية على زمن مليء بالمآسي والاغتراب.
فائق محبتي واحترامي
الدكتور عبدالكريم الحلو
><><><><><><><><><><><
خلاصات السبعين
الشاعر كاظم الحجاج
فخورٌ لأني نحيل ..
لأني خفيف
على أرض هذا العراق .
لا أدوسُ التراب ..
كما داسه الآخرون !
• لكلّ البلاد الغريبة عيبٌ وحيد :
عيبها أنها – أينما وجدت –
… فالعراق بعيد !
• هذا الوطنُ المحسود
– الوطنُ التفاحة –
يحميهِ اللهُ من الدود !
• من ( أخناتون ) ..
الى الأمريكيين .. الى الأحزاب ..
– الدينُ لله . والوطن .. للأقوياء !
• ونحنُ في الإبتدائية
كانتْ خريطةُ العراق
أسمنَ ممّا هي اليوم !
• نحنُ البصريين ؛
نطفئ الشعر حين ننام ..
ونؤرّقُ مصباحنا للضيوف !
• جدّي أبو عثمان الجاحظ
كان عفيفاً جداً مع النساء ..
شكله لا يؤهله للزواج ولا للزنى!
• لم تسعنا غرفةُ التوقيف
– كنّا أربعين –
منعوا أرجلنا أنْ تنثني
فجلسنا .. واقفين !
• مثل خبز الأرياف ..
– نحنُ أهل الجنوب –
نخرجُ من تنانير أمهاتنا
… ساخنين
لأجل أنْ نليق بفم الحياة !
• إننا – في الجنوب –
نأكل الخبزَ حتى يعيش بنا
لا نعيش به …
ونحرّم ذبح دجاج البيوت ..
هل يهون علينا : نربّي ونذبح ؟
كيفَ يهون ؟
• وكلاب الجنوب .
وحدها تتقن الاعتذار ؛
تنبحُ الضيف وسط الظلام .
وتمسحُ أذياله في النهار !
• ولذا . نحنُ أهل الجنوب
– حين نغتربُ –
تتجمع أوطاننا ، مثل قبضة كفّ
وتنبضُ تحتَ الضلوع !
• نحنُ الكسالى
لم نزرعْ تفاحاً ..
ولهذا .
أجّلنا أكل التفاح .. الى الجنّة !
• في الغربة . نبكي ..
والدمعةُ ماءٌ مسجون ..
ينتظر الحرّية
مِن حزنٍ .. قادم !
• تغربتُ في مدنٍ ، لا تردّ السلام ..
وأنا لا أبالغُ واللهِ
حتى المرايا هناك .
تزيّف وجهك أنت:
ففي الصبح تحلقُ لحية غيركَ
وتمشّطُ شعر سواك !
• وأنا – حتى في الغربة –
لا أبحثُ عمّن أعرفهُ
بل . عمّن يعرفني !
• تتذكرنا أيام ( الحزب ) الأولى
في محلتنا ( الفيصلية ) ..
حيث الأبوابْ
– نصف المفتوحة
في نصف الليل – ..
.. لأجل المنشورات !
• وحين نزور الحسين :
نفكّ صرّة الحزنِ
بوجه الضريح …
نبكي – يقولُ والدي –
… لنستريح .
فالشرقُ دمعتان :
للحسين – يا بنيَّ –
… والمسيح !
• أخبرني ( طه باقر )
– الأسماء تؤنث ، في سومر ، :
( أنخيدونا). وتُذّكـــر ( أنخيدو )
– أو ( أنكيدو ) –
يا صاحبة الحانة. أنكيدو … مات .
فلنرفع ، في صحته ,
….. نخبَ الغائب !
• وأخبرني جنديّ .
– مثلي في السبعين –
ولم يُقتل بعد :
حتى بين رصاصات الجنود
رصاصات محظوظة :
تلك التي تُخطىء أهدافها
ورصاصات تعيسة :
تلك التي ترتكب أمجاد الحروب !
• وأنا لم أذهب يوماً للحرب .
ولكني أعرفُ :
ما يدعى نصراً – في كلّ حروب التاريخ –
لا يعدلُ نصر الأمّ
.. تحدقُ في المولود .. الخارج تـوّاً
الشاعر كاظم الحجاج