الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مقاربة نقدية تموجات الغياب


مقاربة نقدية تموجات الغياب:

سيميائية الحنين في نص  'إلى صديقي عارف'" للشاعر محمد مجيد حسين

يعد النص رسالة وجدانية موجهة إلى صديق غائب تتسم بطابعها التأملي والشاعري، وتعكس تجربة ذاتية تتقاطع مع ثنائية الحضور والغياب، الانتظار والحنين.

 البنية الدلالية والمضمون

يعتمد النص على ثيمة الحنين والانتظار، حيث يخاطب الشاعر صديقه عارف مستفسراً عن عودته، وهو ما يتجلى منذ الجملة الافتتاحية:

"هل ستعود من سفرك الطويل؟!"

السؤال الاستفهامي هنا ليس مجرد استفسار، بل يحمل في طياته نبرة التوجس والرجاء ما يخلق جواً  وجدانياً عميقاً .

كما يتجلى مفهوم الزمن بوضوح في قوله:

"وهل في جعبة العمر ما يكفي لأنتظرك؟"

هنا يظهر إدراك الشاعر للفناء والحدود الزمنية التي قد تحول دون اللقاء، مما يعزز الطابع الدرامي للنص.

أما الصديق عارف، فيتم تصويره ببساطة الماء:

"عارف أيها البسيط مثل الماء"

الماء هنا ليس مجرد تشبيه، بل رمز للنقاء والعفوية ما يجعل الغائب يحتل مكانة روحية خاصة في وجدان الشاعر.

ثم ينتقل النص إلى التأكيد على الذكريات كعنصر تعويضي عن الفقد:

"ذاكرتي مزدحمة بندى الذكريات.."

حيث توظف "الندى" كاستعارة تعكس رقة الذكريات ودفئها ما يمنحها بعداً حسياً  أكثر تأثيراً .

البنية الأسلوبية والبلاغية

يعتمد الكاتب على عدة تقنيات بلاغية تعزز البعد العاطفي في النص، أبرزها الاستفهام البلاغي، كما في قوله:

"هل ستعود؟"، "وهل في جعبة العمر ما يكفي؟"

هذه الأسئلة لا تنتظر إجابة مباشرة، بل تعكس حالة الحيرة والانتظار المفتوح، مما يضفي على النص طابعاً وجدانياً يتماهى مع إحساس الغياب.

كذلك يوظف الشاعر التكرار كأداة لإبراز المشاعر، حيث يكرر عبارة "سأنتظرك"، مما يعزز الإحساس بالتشبث بالأمل، يضفي إيقاعاً داخلياً على النص يعكس الإصرار على الانتظار رغم مرور الزمن.

أما على مستوى الصورة الشعرية، فإن الشاعر يستخدم الاستعارة والتشبيه لخلق مشاهد حسية تعمق دلالة النص. فمثلاً، في قوله:

"لك منارة قلبي"

يستعير صورة المنارة ليجعل القلب مصدر هداية وانتظار، مما يعكس عمق العلاقة العاطفية بينه وبين الصديق الغائب.

وفي قوله: "سأنتظرك مع تضاريس دوكر"، يعتمد التصوير المكاني لإبراز الامتزاج بين العاطفة والمكان، حيث لا يكون "دوكر" مجرد موقع جغرافي، بل فضاءً مشحوناً بالحنين والذكريات. وهذا يتقاطع مع رؤية غاستون باشلار الذي يؤكد أن:

 "المكان الذي نحبه ليس مجرد موقع هندسي، بل هو فضاء مشبع بالذكريات والانفعالات."

فدوكر هنا يتحوّل إلى امتداد للذات والذاكرة، مما يكرس فكرة أن الأماكن ليست جامدة، بل تحمل في طياتها مشاعر وتجارب إنسانية تعيد تشكيلها عبر الزمن.

 المستوى التركيبي والإيقاعي في النص

يمتاز النص بجمل قصيرة تحمل إيقاعاً داخلياً هادئاً يتناسب مع موضوعه العاطفي. كما يعتمد الكاتب على التنقل السلس بين الجمل، ما يمنح النص انسجاماً وترابطاً .

أما من حيث البناء، فإن النص يمزج بين الأسلوب الخبري والإنشائي، مما يمنحه طابعاً حيوياً ، حيث تبدأ الجملة الاستهلالية باستفهام، ثم تنتقل إلى تأمل وجداني، ثم إلى التوكيد والانتظار.

يتسم النص بجمالية أسلوبية ورهافة شعورية تجعله نصاً وجدانياً  صادقاً  يعكس تجربة إنسانية تتجاوز البعد الفردي إلى البعد الكوني للانتظار والفقد.  النص متماسك من حيث بنيته الدلالية والأسلوبية، ويعكس تجربة أدبية تعتمد على التكثيف اللغوي والتصويري لتحقيق أثر عاطفي عميق.

الناقدة  فاطمة عبدالله.

لنقرأ النص معاً:

إلى صديقي عارف

هل ستعود من سفرك الطويل؟!

وهل في جعبة العمر ما يكفي لأنتظرك؟

كي نلعب من جديد

ونسهر حتى مشارف الصباح

ولكي نبحث في ألبوم الذكريات..

عارف أيها البسيط مثل الماء.. لك منارة قلبي

ذاكرتي مزدحمة بندى الذكريات..

سأنتظرك مع تضاريس دوكر

سأنتظرك يا صديقي

حتى نهاية الغياب

محمّد مجيد حسين


مشاهدات 158
أضيف 2025/03/25 - 3:48 PM
آخر تحديث 2025/03/30 - 5:49 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 373 الشهر 18692 الكلي 10579641
الوقت الآن
الأحد 2025/3/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير