الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
سياسيون‭ ‬ورجال‭ ‬أعمال

بواسطة azzaman

سياسيون‭ ‬ورجال‭ ‬أعمال

محمد زكي ابراهيم

 

حينما‭ ‬تغير‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬من‭ ‬حكم‭ ‬الحزب‭ ‬الواحد،‭ ‬إلى‭ ‬التعددية‭ ‬الحزبية،‭ ‬وحل‭ ‬اقتصاد‭ ‬السوق‭ ‬بدلاً‭ ‬عن‭ ‬مؤسسات‭ ‬القطاع‭ ‬العام،‭ ‬شعر‭ ‬الكثيرون‭ ‬أن‭ ‬عصراً‭ ‬جديداً‭ ‬قد‭ ‬ابتدأ‭ ‬للتو،‭ ‬وأن‭ ‬آفاقاً‭ ‬واسعة‭ ‬للتغيير‭ ‬قد‭ ‬شرعت‭ ‬أبوابها‭ ‬للعالمين‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬انهار‭ ‬المفهوم‭ ‬الذي‭ ‬طالما‭ ‬رددته‭ ‬الألسن‭ ‬لوقت‭ ‬طويل،‭ ‬وهو‭ ‬الاشتراكية،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬يذكره‭ ‬أحد‭ ‬بخير‭ ‬أو‭ ‬شر‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬حتى‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬اعتنقوه‭ ‬وضحوا‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬نسوه‭ ‬تماماً،‭ ‬وباتوا‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬الرأسمالية‭ ‬في‭ ‬خطبهم‭ ‬النارية‭ ‬وقت‭ ‬الأزمات،‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬آخر‭.‬

ومن‭ ‬الغريب‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬أصحاب‭ ‬الثروة‭ ‬بدأوا‭ ‬يتطلعون‭ ‬بشكل‭ ‬مبكر‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬غير‭ ‬مشروعة،‭ ‬وأخذوا‭ ‬يلجئون‭ ‬إلى‭ ‬شراء‭ ‬الذمم،‭ ‬وإثارة‭ ‬النزعات‭ ‬الطائفية‭ ‬والمناطقية،‭ ‬أملاً‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬مقعد‭ ‬في‭ ‬البرلمان،‭ ‬أو‭ ‬منصب‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭.  ‬

ولو‭ ‬أنصف‭ ‬هؤلاء‭ ‬لعلموا‭ ‬أنهم‭ ‬ضلوا‭ ‬الطريق،‭ ‬وأخطأوا‭ ‬التقدير‭. ‬،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تتودد‭ ‬إليهم،‭ ‬وليس‭ ‬العكس،‭ ‬وأن‭ ‬السبيل‭ ‬الأمثل‭ ‬لاعتلاء‭ ‬المناصب،‭ ‬أو‭ ‬الإمساك‭ ‬بزمام‭ ‬الحكم،‭ ‬هو‭ ‬بناء‭ ‬الشركات،‭ ‬وإنشاء‭ ‬المصانع،‭ ‬وممارسة‭ ‬النشاط‭ ‬التجاري‭ ‬الخاص‭. ‬فالمشاريع‭ ‬الكبيرة،‭ ‬التي‭ ‬تحوز‭ ‬على‭ ‬النجاح،‭ ‬تقدم‭ ‬خدمة‭ ‬عظيمة‭ ‬للبلاد‭ ‬والعباد،‭ ‬وتقوم‭ ‬بتشغيل‭ ‬أعداد‭ ‬غير‭ ‬يسيرة‭ ‬من‭ ‬الأفراد،‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬اتساع‭ ‬نفوذ‭ ‬أصحابها‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬والدولة،‭ ‬ليكونوا‭ ‬مؤهلين‭ ‬بالتالي‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬أعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬أصوات‭ ‬الناخبين‭ ‬والداعمين‭.‬

إن‭ ‬زعماء‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬العادة‭ ‬أصحاب‭ ‬شركات‭ ‬عملاقة،‭ ‬وليسوا‭ ‬أفراداً‭ ‬عاديين،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬بدأت‭ ‬بتقليد‭ ‬النموذج‭ ‬الغربي‭ ‬هذا،‭ ‬فالناس‭ ‬يتحلقون‭ ‬حول‭ ‬الأغنياء،‭ ‬ويعجبون‭ ‬بتجاربهم‭ ‬الناجحة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يناصبهم‭ ‬الاشتراكيون‭ ‬العداء،‭ ‬ويرون‭ ‬أن‭ ‬مكانهم‭ ‬الحقيقي‭ ‬هو‭ ‬خارج‭ ‬السلطة‭. ‬

وفي‭ ‬بلدان‭ ‬كثيرة‭ ‬تتميز‭ ‬الأقليات‭ ‬بالثراء،‭ ‬وامتلاك‭ ‬العقارات‭ ‬والمصارف‭ ‬والمصانع،‭ ‬للتعويض‭ ‬عما‭ ‬تعانيه‭ ‬من‭ ‬ضعف،‭ ‬فليس‭ ‬العدد‭ ‬الكبير‭ ‬وحده‭ ‬من‭ ‬يصنع‭ ‬القرار،‭ ‬وليست‭ ‬الأغلبية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحكم،بل‭ ‬يمكن‭ ‬لرجال‭ ‬أعمال‭ ‬قليلين،‭ ‬أو‭ ‬فئات‭ ‬صغيرة،‭ ‬القيام‭ ‬بهذا‭ ‬الدور‭ ‬كاملاً،‭ ‬وأبرز‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬وأميركا،‭ ‬والسيخ‭ ‬والخوجة‭ ‬في‭ ‬الهند‭!.‬

لكن‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬معكوس‭ ‬تماماً،‭ ‬فحالما‭ ‬يحصل‭ ‬المرء‭ ‬على‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬المال،‭ ‬بطرق‭ ‬مشروعة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مشروعة،‭ ‬حتى‭ ‬تتجه‭ ‬أنظاره‭ ‬إلى‭ ‬السلطة،‭ ‬ويشرع‭ ‬بتفريق‭ ‬الرشاوى‭ ‬والعمولات‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬دفة‭ ‬الحكم،‭ ‬ويقوم‭ ‬بمغازلة‭ ‬مراكز‭ ‬القوى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الظفر‭ ‬بالرئاسة‭ ‬أو‭ ‬الوزارة‭ ‬أو‭ ‬كرسي‭ ‬النيابة‭.‬

‭ ‬إن‭ ‬هؤلاء‭ ‬لا‭ ‬يعلمون‭ ‬أن‭ ‬تطوير‭ ‬مبادراتهم‭ ‬الفردية‭ ‬يضمن‭ ‬لهم‭ ‬دوراً‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬مستقبل‭ ‬البلاد،‭ ‬ويجعل‭ ‬المناصب‭ ‬تجثو‭ ‬طائعة‭ ‬أمامهم،‭ ‬ولا‭ ‬يحتاجون‭ ‬إلى‭ ‬الدعاية‭ ‬أو‭ ‬بذل‭ ‬الأموال‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يرغبون‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬الانتشار،‭ ‬مثلما‭ ‬يفعل‭ ‬السياسيون‭ ‬في‭ ‬العادة،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬شهرتهم‭ ‬كرجال‭ ‬أعمال‭ ‬كبار‭ ‬تجعل‭ ‬الطريق‭ ‬معبدة‭ ‬أمامهم،‭ ‬وهم‭ ‬لا‭ ‬يستغلون‭ ‬الناس‭ ‬أو‭ ‬يضطهدونهم‭ ‬أو‭ ‬يمتصون‭ ‬دماءهم،‭ ‬كما‭ ‬تزعم‭ ‬الأدبيات‭ ‬اليسارية،‭ ‬بل‭ ‬يصنعون‭ ‬الحضارة،‭ ‬ويهيئون‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬للملايين‭ ‬منهم‭.  ‬

وللأسف‭ ‬يحاول‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬التخطيط‭ ‬للانعزال‭ ‬والتمرد‭ ‬والقطيعة،‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬الغير،‭ ‬أملاً‭ ‬في‭ ‬الفوز‭ ‬برضا‭ ‬الجمهور،‭ ‬ولو‭ ‬أنهم‭ ‬قاموا‭ ‬بتطوير‭ ‬مشاريعهم‭ ‬الخاصة‭ ‬لقدموا‭  ‬للبلاد‭ ‬خدمة‭ ‬عظيمة،‭ ‬ومنحوا‭ ‬أتباعهم‭  ‬نفوذاً‭ ‬لا‭ ‬يحلمون‭ ‬به‭ ‬حينما‭ ‬ينزوون‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬المجموعات‭ ‬الأخرى‭.‬

إن‭ ‬هدر‭ ‬الأموال‭ ‬في‭ ‬شراء‭ ‬الذمم‭ ‬واعتلاء‭ ‬المناصب‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬أحد‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬ولن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ترسيخ‭ ‬الزعامة‭ ‬أو‭ ‬يمهد‭ ‬الطريق‭ ‬للرئاسة،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬السبيل‭ ‬الأمثل‭ ‬لكل‭ ‬ذلك‭  ‬هو‭ ‬المضي‭ ‬في‭ ‬استثمارات‭ ‬كبرى‭ ‬تجعل‭ ‬صاحبها‭ ‬يتربع‭ ‬على‭ ‬عرش‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والسياسة،‭  ‬وتمنحه‭ ‬ما‭ ‬يستحق‭ ‬من‭ ‬أهمية،‭ ‬وتحفظ‭ ‬له‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬التاريخ‭ ‬أيضاً‭.‬


مشاهدات 109
الكاتب محمد زكي ابراهيم
أضيف 2025/02/19 - 3:57 PM
آخر تحديث 2025/02/21 - 4:20 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 406 الشهر 11633 الكلي 10407004
الوقت الآن
الجمعة 2025/2/21 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير