من مذكرات اعلامي.. حبل مودّة الأصدقاء متين
قاسم المعمار
منتصف القرن الماضي ظهرت بين اوساط المثقفين نزعة المساجلات الفكرية في عالمنا وخاصة في عراقنا الحبيب ... هل الانسان مخير ام مسير في حياته؟؟ كل طرف يئن براحلته دون اكتراث الى ما آلت اليه النفوس من زمجرة وتحاسب عشوائي محير لايقف عند حد معين من المعرفة المبتورة دون الاكتراث الى الآية الصريحة الكريمة بقوله تعالى : (ولقد خلقنا الانسان في احسن تقويم) وحديث رسولنا الأعظم محمد (ص) : (أدبني ربي فأحسن تأديبي) ... هذا العرف الروحاني الكريم يعطينا عظمة الخالق لمخلوقه الانساني وفق احسن الصور .. اذن هو الصانع والمبتكر والمسير والعبد المطيع .. حقيقة الأمر فهو يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير .. وهكذا استمرت هذه الموجه المتزامنة مع وجودية سارتر حتى تلاشت ما بعد السبعينات عالمياً وكنت دائماً مع ايماني الروحاني الشديد بأن الله الواحد الجبار الخالق العظيم ونحن العبيد الصاغرون لطاعته ووحدانيته دون اشراك والمسيرون بأمره وارداته وحكمته .
أمس بعيد
- هذه المقدمة اوقفتني للإستذكار اليوم حينما كنا بالامس البعيد شلة من الاصدقاء ذوو المستويات الثقافية والفكرية المختلفة ولكن جمعتنا الفة الجيرة والعمل الاعلامي المتقارب تأخذنا جلسات سمر وحوار خاصة ما بين الاستاذ الشاعر محفوظ داود البصري وهو شقيق الكاتب العراقى عبد الجبار البصري مع اديب الفلسفة محمد مهدي مبارك تصل مساجلاتهما حد الزعل المؤقت ، الا ان شاعرنا الغريد يكسر طوق هذا الفتور بأنشاد ابيات من ديوانه الجديد الثالث عشر الموسوم بـ (البحث عن دلمون) وهي المملكة المفقودة في الادب السومري تقع في البحرين منشداً لنا ..
في بردة ريح ورمال
بسلال من وجد او غلال
لست المتبنى وابي لا اعرفه
لي لغة اشتق فواصل عبر مغارات
تغدو خطوي وسياب تغدو واخفاق
مسافاتي
ارتاب رؤاي شريداً اغرق فى الدلال
وتلاحقني اسراب الحداة .. غربان
ومناقير
حديد ونحاس لشواهين تتابع موتي
ليس هنالك من نؤي واشا في سوى
ظلي بين الاطلال
وعبر صمت قاتم خيم على الوجوه من سمو شاعري يطل مبتسماً المذيع الوديع الاستاذ عبد اللطيف السعدون حاملاً صحناً من الحلوى للحاضرين في فرحة وسرور مشيد بالآفاق والاطلالات الشاعرية المتألقة لشاعرنا البصري وسط تلميحات واشارات عزيزنا الفنان المصور الفوتوغرافي المشهور رشيد الشبلي (ابو سالم) الى سكون وصمت الاستاذ مبارك غير المعهودة دائماً لتعقيباته الدائمة على قصائد محفوظ للمفردة والمعنى.
ثم ينبري الاستاذ ابا سالم لسماعنا ولأول مرة حكاية مشاركته وفد وزارة الارشاد بداية 14 تموز 1958 لزيارة النجف الاشرف للقاء سماحة العلامة المرجع الديني الاعلى للحوزة العلمية السيد محسن الحكيم المنبهر بهذه الشخصية الدينية وسمو اخلاقها وبساطتها وترحيبها بالوفد الاعلامي الذي ترأسه آنذاك المذيع المعروف قاسم نعمان السعدي . وما دار في هذا اللقاء
التاريخي .
- لقد انتهت حياة مصورنا الاستاذ رشيد الشبلي شهيد الطائفية المقيتة مقتولاً قرب داره - حينما اخذنا الصديق الاستاذ مترجم اللغة الاسبانية عبد الجبار الحكيم بوصلة من ذكرياته المضحكة اثناء عمله في الترجمة الفورية خاصة احداها حينما كان يعمل في ديوان الوزارة واثناء انعقاد مؤتمراً دولياً حصلت له اخطاء في الترجمة لم يحس بها الحضور او ينتبه اليها احد وقال لقد بقيت حتى صلاة الفجر قلقاً وخائفاً من عقباها ولكنها مرت بسلام ، الا ان القدر اطاح بهذا الرجل بعد فترة حينما استشهد ولده الدكتور الصيدلاني في مقر عمله باعتداء آثم . فيما امضى المذيع السعدون مغترباً خارج الوطن اليوم .
صديق العمر
وها أنذا اجد نفسي منفرداً وحيداً مع صديق العمر الاعلامي المتقاعد شاكر المعروف ... نستذكر ايام زمان وقد مر عليها اكثر من خمسين عاماً في الافراح والاتراح وتقادم الزمن تحت ارادة الخالق العظيم وحفظه .. حيث قال لي .. أتذكر يا اخي ابو محمد الواقعة الطريفة في الجدل البيزنطي المهلوس ما بين مبارك والبصري حول قدرية الانسان وهل هو مخير ام مسير ؟؟ كيف جاءت قصيدتك (المولد) الجديدة لإبهار الحضور ومنها اتذكر انشادك بالقول..
بین احشاء امي اسكن تائهاً
سجيناً لا يفقه قولا وفعلا
بلا سجان
وحيداً
قد لا يصل حكمه ثلثمائة يوماً
ثم يخرج خائفاً صارخاً
تأخذه حاضنته الوليدة
بالشطف والضرب على قفاه
كي توقضه
يغشاه نوم متقطع عميق البكاء
الا ان الانامل الحنونة
والدموع الذارفات تصفو
انه لعبة السماء
ووفاء صبري الجميل
جاءني حلو المراس
زرقاء العيون
حالماً بدنيا جديدة
كي يكون سندي وحامل عرشي
وحارس بيتي
رافعاً رؤوسنا بين الانام
حامل نعشي الى عالم القبور
وفائه ... بكاؤه
دعاؤه ... المستجاب
ان تحضى امه بمكرمة
العرش العظيم
مقروناً بالفاتحة وسجي جسدها بالتراب
والماء الكريم
وداعاً ... وداعاً .... يا اماه
- نعم يا اخي المتوفي سأقوم بنشرها ضمن اطار هذا الموضوع وليزداد ميزان حسناتك على هذه الحافظة الذكية رعاها الله ... فأنت فعلاً شاكر المعروف اسماً على مسمى..