الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
خصوماتهم وخصوماتنا

بواسطة azzaman

خصوماتهم وخصوماتنا

فيصل عبدالحسن

 

   “أذن ..  الآن لقد تساوينا”، حملت العبارة كما من التهكم لا يستهان به، لمن يعرف أسلوب ماركيز في التهكم من خصومه، وخصومة ماركيز وليوسا ابتدأت منذ منتصف السبعينات، بعد أن تلقى ماركيز منه لكمة على عينه اليمنى، خلفت هالة زرقاء وألماً لم يفارقه طوال العقود الماضية، وقد خلد ماركيز لكمة صديقه بأن طلب من مصور كان حاضراً في دار السينما التي حدث فيها الشجار، أن يصوره لتظهر الهالة الزرقاء حول عينه، ونشرتْ الصورة بشكل واسع بعد أن أشتهر ماركيز، وقد بدا ماركيز محتفلاً بتلك اللكمة التي تلقاها على عينه من صديقه السابق، والتي سودت نصف وجهه، والغريب كانت تبدو على شفتي ماركيز -كما بدا في تلك الصورة التاريخية- ابتسامة واسعة، كما لو كان يحتفل بنصر لم يحققه أحد قبله بتلقيه تلك اللكمة!!

خصومات أدبائنا

       فوز الأديب البيروني ماريو فارجاس يوسا بجائزة نوبل للأداب 2010 لم تمنع صديقه القديم غارسيا غابريل ماركيز الذي فاز قبله بجائزة نوبل للآداب عام 1982 أن يقول ذلك ساخراً من ذلك الفوز.المهم فاز خصمه اللدود القديم، ولحق به، وخصومة الأديبين الكبيرين، لم تهبط بمستوييهما الأدبيين، كما يحدث عادة بين كتابنا وأدبائنا العراقيين، التي في العادة تصل إلى درجة تسفيه كتابة كل واحد للآخر، ووصف كتابات الخصم بالرداءة، وأحيانا تسقيطه إلى أسفل سافلين باتهامه بسرقة أفكاره، أو أفكار الآخرين، أو اتهامه بالتخلف الثقافي، و الغثاثة الفكرية، ولم نقرأ يوما في حوارات كثيرة مع ماركيز نشرتها الصحافة الأدبية، وكان عندما يسألونه عن رواية”حفلة التيس”أو الرواية الأولى لخصمه”المدينةوالكلاب”و”مقتل موليرو”أومجموعته القصصية التي بعنوان “القادة” عام 1959، أن يقول عنها شيئا سيئا،   وقد جرب خصمه كل أنواع الكتابة النقدية، وكتب في كل الأنواع الروائية، الاجتماعية، الكوميدية، روايات الإثارة، والرواية البوليسية، وما قال عنها ماركيز أبدا، أنها روايات هابطة أو سيئة.   كان دائما يشيد بأعمال خصمه الأدبية، وهذا درس رائع وبليغ، ولا يمكن أن تجد لدينا مثيلاً له نحن معشر الكتاب بالعربية، فما أن ينزغ الشيطان بين أثنين منا، حتى يتحول كل ما كتبه الخصم على لسانه، وفي أول فرصة للكلام، هذراً وفجاجة ووساخة أوراق، وتفاهة لا طائل من وراءها، ولا فائدة ترجى من صاحبها، أما ماركيز فقد كان شأنه شأن الأدباء الصادقين والكتاب الحقيقيين الكبار أمثال بورخس وكارلوس فونتيس، يوسا، أستورياس وعشرات غيرهم من كتاب أمريكا اللاتينية التحلي بالموضوعية والشعور بمسؤولية الكلمة.

الشعور بالهزيمة

     عندما واتتني الشجاعة لأتغلب على رهبة الكتابة عن خصومات الفائزين بجائزة نوبل، في حقل يعد من أصعب الحقول في الآداب هو حقل الرواية، لم أنسَ أبداً الكتابة عن خصمه الأشهر غابرييل غارسيا ماركيز، وكان خصماً له أيضاً في حب امرأة واحدة، إضافة لكتابة الرواية، والتنافس في كتابة لون واحد، ما سُمي أسلوبها الروائي الفريد ب”الواقعية السحرية”.الرواية التي استطاعت أن تتبؤا في عقود قليلة مكانة سامية في الآداب، وصارت بديلاً للملحمة، وغدا كاتبها قريناً لهيميروس “صاحب ملحمتي الإلياذة والأوديسة”، وفرجيل”صاحب ملحمة الأنيادة”، ويانوش أراني”الشاعر المجري صاحب ملحمة ثلاثية تولدي”، ولأبي قاسم الفردوسي”صاحب ملحمة الشهنامة الفارسية” وغيرهم، وأخذت مكانة الشعر، فصار الشعر، واللغة الشعرية من نسيج رسمها للشخصيات، ورسم حوادثها، وتسجيلها تاريخ الأمم، من خلال رسم حيوات من عاشوا، وصار الروائي بمثابة الفيسلوف في عهد ارتقاء الفلسفة، وقد خصص أبو الفلاسفة أفلاطون في”جمهوريته “الرئاسة والحكم، لمجلس من فلاسفتها، فليس غريباً أن يرشح الروائي “فارجاس ماريو بوسا” نفسه عام1990 لرئاسة بيرو، لكنه لم يفز في تلك الانتخابات، لأن الناس في بيرو، أولئك الذين صوتوا في تلك الانتخابات لم يقرؤوا رواياته، التي تدين الدكتاتوريات، وتحتقر الحكام الدكتاتوريين وتمجد الإنسان والحرية.شعوره العميق بالهزيمة في تلك الانتخابات جعله يهاجر إلى إسبانيا، ويطلب الجنسية الإسبانية هناك، ويحصل عليها. كان يوسا بعد تلك الصدمة شعر أن بيرو غير قادرة بعد على فهمه، وأنه يحتاج لشعب آخر عرف الدكتاتورية وخبر مآسيها وتخلص منها، كفردتي حذاء مثقوبتين، كالشعب الإسباني، الذي عاش زمن دكتاتورية فرانكو لأربعة عقود ظلامية، وخبر كل فرد من أفراد هذا الشعب، ماذا يعني أن تتجسس الزوجة على زوجها والابن على أبيه والأخ حين يشي بأخيه، لمصلحة الدكتاتور وبقائه.

        كاتب مقيم في المغرب

 


مشاهدات 39
الكاتب فيصل عبدالحسن
أضيف 2025/02/03 - 3:49 PM
آخر تحديث 2025/02/04 - 4:28 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 118 الشهر 1735 الكلي 10397106
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/2/4 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير