الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
شراكة إستراتيجية روسية وإيرانية

بواسطة azzaman

شراكة إستراتيجية روسية وإيرانية

محمد علي الحيدري

 

وقعت روسيا وإيران اتفاقية شراكة استراتيجية جديدة تهدف إلى تعميق التعاون الثنائي على المدى الطويل, كما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين, الذي وصف الاتفاقية بأنها «تحدد أهدافا طموحة». وتأتي هذه الخطوة في لحظة سياسية حرجة على الصعيدين الإقليمي والدولي, حيث يعيد النظام الدولي رسم ملامحه وسط تحولات جيوسياسية عميقة. تمثل هذه الاتفاقية بحسب مراقبين تحولا نوعيا في العلاقات الروسية-الإيرانية, التي كانت لعقود تتسم بالتعاون الانتقائي وفقا لضرورات مشتركة محددة. ولكن هذا التحالف الجديد يعكس رغبة البلدين في التكيف مع متغيرات عالمية تسير نحو تعددية قطبية, وتحدٍ واضح للنفوذ الغربي بقيادة الولايات المتحدة.

من زاوية اقتصادية, يعكس الاتفاق طموحا لتوسيع التعاون في مجالات الطاقة والنقل والتكنولوجيا. فروسيا, التي تواجه ضغوطا غير مسبوقة بفعل العقوبات الغربية المتزايدة بسبب حربها في أوكرانيا, تجد في إيران شريكًا يتفهم عزلة مشابهة تعرض لها بفعل العقوبات الأميركية والأوروبية على مدار عقود. وبهذا المعنى, يمكن اعتبار الاتفاقية بمثابة آلية للتكامل الاقتصادي بين بلدين يسعيان إلى كسر القيود الغربية المفروضة عليهما. على المستوى الإقليمي, تحمل الاتفاقية رسائل متعددة إلى القوى المجاورة. فإيران تسعى لتعزيز موقفها الإقليمي عبر بناء تحالفات مع قوى كبرى مثل روسيا, بما يعزز قدرتها على مواجهة التحديات الإقليمية, لا سيما في مواجهة النفوذ الأميركي والإسرائيلي المتزايد في الشرق الأوسط. في المقابل, تعيد روسيا توجيه سياساتها نحو الجنوب, حيث ترى في إيران نقطة ارتكاز لتوسيع نفوذها في المنطقة. الدور الأميركي في قراءة هذه الاتفاقية لا يمكن تجاهله. اذ ترى واشنطن في هذا التحالف محاولة جديدة لتقويض هيمنتها العالمية, خاصة في ظل تقارب روسيا وإيران مع الصين ضمن إطار أوسع من التحالفات المناهضة للنظام الدولي التقليدي. المسؤولون الأميركيون ينظرون بعين القلق إلى احتمال تحول هذه الشراكة إلى كتلة سياسية واقتصادية تُضعف من تأثير العقوبات الاقتصادية, وتتيح للبلدين أدوات جديدة لتعزيز مواقفهما السياسية والعسكرية. دوليا, تأتي الاتفاقية كجزء من تحول أوسع نحو انحسار الهيمنة الغربية التقليدية. إيران وروسيا, ومعهما الصين, تسعى لتثبيت قواعد جديدة للعبة الدولية تقوم على تعدد الأقطاب واحترام السيادة, وهو ما يعني فعليا تحديا للنظام الليبرالي الذي أسسته الولايات المتحدة عقب الحرب الباردة.

مع ذلك, يواجه هذا التحالف تحديات لا يمكن تجاهلها. هناك تفاوت في الأولويات الاقتصادية والعسكرية بين البلدين, إضافة إلى تاريخ من التنافس الإقليمي الخفي. لكن الظروف الحالية, التي تتسم بضغط غربي مشترك, قد تدفع الطرفين إلى تجاوز هذه الخلافات في سبيل تحقيق مكاسب استراتيجية طويلة الأمد.

هذه الاتفاقية ليست مجرد ورقة تفاهم بين دولتين, بل خطوة تكشف عن ديناميات جديدة في السياسة الدولية. إنها إعلان عن نظام عالمي جديد يتشكل على أنقاض التوترات القائمة, وهي رسالة واضحة بأن روسيا وإيران لن تقفا مكتوفتي الأيدي أمام محاولات العزل والتهميش التي تقودها واشنطن وحلفاؤها.

 


مشاهدات 205
الكاتب محمد علي الحيدري
أضيف 2025/01/19 - 9:51 PM
آخر تحديث 2025/01/21 - 7:26 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 150 الشهر 9584 الكلي 10199549
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/1/21 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير