الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
كبو يحتفي بإصدار مجموعته قناديل تضيء خرائط العتمة

بواسطة azzaman

كبو يحتفي بإصدار مجموعته قناديل تضيء خرائط العتمة

بالشعر يلخص حياة الانبياء وأساطير الفلسفة والفن 

امجاد ناصر - اربيل

ليس من السهل ان ينجز الشاعر ديوانه الذي يعبرعن افكاره و خلجاته و ما يريد ان يبوح به من رسالة بغض النظر كان شعرا عاطفيا او وطنيا , فكيف اذا كان الديوان مكرس لحياة الانبياء و العظماء وأساطير الفلسفة والفن من الخوالد اصحاب المنجزات التي ما زالت راسخة في عقول البشرية منذ نزول سيدنا ادم و حواء الى الارض امتدادا  للملك كلكامش و النبي نوح و المسيح عليهما السلام , و سقراط و افلاطون و فرويد وانشتاين و اديسون و نيوتن , تنقل الشاعر بين قدسية المرسلين من الله عز وجل الى المفكرين و الفلاسفة و اصحاب النظريات و الابتكارات التي غيرت حياة البشرية من العتمة الى النور , و لم ينسى الحب و العشق و الجمال لفاتنة السينما مالرين مونور , وعبقري الكوميديا الصامتة شارلي شابلن  و كبار الشعراء المتنبي و امرؤ القيس و مظفر النواب  و ليلى العامرية  و بصمات الرسامين دافنشي و فان كوخ و اصحاب السمفونيات بيتهوفن و باخ و صوت نسيم الصباح و الحب السيدة فيروز، و القائمة تطول الى 78 قنديلا اختارهم الشاعر يوسف كبو في مجموعته الشعرية ( قناديل تضيء خرائط العتمة ) الصادر عن دار أمل الجديدة , والذي احتفى بتوقيعه على قاعة المركز الأكاديمي الإجتماعي عنكاوا / أربيل ، بالتعاون مع أتحاد الأدباء و الكتاب السريان .

بدأت الأحتفالية بكلمة ترحيب للأديب روند بولص رئيس الأدباء و الكتاب السريان , لضيوف الأمسية من الادباء و الاكادميين و الاعلاميين , و رئيس مكتب الثقافة والدراسات في الأمانة العامة للمنظمة الأثورية الديمقراطية (مطكستا) بشير أسحاق سعدي , من مدينة قامشلي سوريا , ثم ادارة الجلسة الأعلامي والشاعر حسن عبدالحميد قائلا : قناديلٌ الشاعر يوسف كبو وهي تضيءُ خرائطَ العتمةِ  , من العنوان يثير القارئ لمتعة الاطلاع على النصوص النثرية الغنية بمضامنيها و افكراها وطبيعة رموزها الذين اختارهم الشاعر من عباقرة المفكرين و كبار الرسامين و الموسيقين و الفنانيين و الشعراء فضلا الى الانبياء ليسلط عليهم بكل براعة بأسلوبه الشعري و هذا ما يدل على ثقافته و اطلاعة ودراسته لهذه الشخصيات بكل دقة و تفاصيل بما حملته تلك القامات التي أضائت طريق البشرية , وحتى لوحة الغلاف ليلة النجوم للفنان فان كوخ اختيار مميز

سايكولوجية الشعر   

قراءة سايكولوجية

 كما قدم الدكتور قاسم حسين صالح مؤسس و رئيس الجمعية النفسية العراقية , قراءة سايكولوجية لديوان يوسف كبو مشيرا : تنوع الشاعر بقناديله التي تضمن 78 قنديلا  بين الفلسفة ، الدين ، الموسيقى ، الشعر، الادب ، الرقص ، العلم , فمنهم من الاسماء التي نعرفها جيدا و اخرون لم نسمع بهم ولكن الشاعر عرفنا عليهم مشكورا , من ضمنهم (رينيه شار) شاعر وكاتب فرنسي (يسنين) شاعر روسي صعلوك (هايدن) موسيقار نمساوي وآخرين , و نحن نتحدث عن سايكولوجية الشعر و بالمناسبة لم يحضى الشعر العراقي و العربي بدراسة سايكولوجية و اول كتاب يصدر عن الشعر سايكولوجيا اصدرة الاتحاد العام للادباء و الكتاب في العراق في سايكولوجيا الشعر و الشاعر , و في مهرجان المربد القيت محاضرة بهذا الخصوص بعنوان الشعر و الشاعر و المتلقي من منظور التحليل النفسي , و المقصود بسايكولوجيا الشعر هناك من يرى ان الشعر لا يكتب الا عند حالة من التوحد او التشبع بروح ما , تقوم على الاحساس بالقدرة و الامتلاك والسيطرة على الانفعال او العاطفة أو مثير او دافع , وهناك من يقول ان الشعر يتخذ موقفا واحدا من الحياة , اما يكون منطلقا في رحابها كالشمس او يكون منطويا على نفسه فهو اما متفائل فرح او يكون متشائم مفعم قلبه بالحسرة و الحزن , او يكون حكيما يحكم بعقل يتمتع بعقل سليم و بصيرة قوية واما عاطفي يتعامل مع الحياة بشعور واحساس فنان و شاعر , و هذا ما ينطبق على المحتفى به بهذه الجلسة و أشير عنه بجملة ( ان العراق موعود بشاعر اسمه يوسف كبو, سيكون استثناءا عراقيا وعربيا ايضا .

ذخيرة معرفية

كما اشار المحتفى به الشاعر يوسف كبو : منذ بدايتي كنت أقرأ الأدب العالمي وحياة وكتابات الفلاسفة و الشعراء و اصبح لدي تراكم و ذخيرة معرفية كبيرة وهذا ما ظل يراودني للكتابة عنهم بالشعر و بذلت جهد طويل و بحث عميق عن كل شخصية تناولتها بالجموعة حتى نضجت الفكرة لدي و قمت بالكتابة لمدة خمسة سنوات لانجز هذه المجموعة الرابعة  , و لدي ثلاثة مجموعات ستصدر قريبا , و الرسالة مبطنة كشاعر كوني دائما بحالة قلق أمام العالم بانه يقوم بأصلاح اضطراب هذا العالم و بين يجد عالم بديل و بهذا القلق كتبت هذه المجموعة و ما زال هذا الهاجس و القلق العميق يراودني .

 مضيفا : اللغة خطرة ؟ بأستطاعتك تضع اللغة في خطر و ممكن ان تفتح مجازات هائلة على الاشياء , و اصدرت ديواني باللغة العربية لاني متمكن باللغة و لو اخترت لغتي السريانية لتعرضت الى اخفاق شديد بالرغم من محاولتي .

و تخللت الجلسة التي أدارها المهندس عماد متي توما المدير الاداري للمركز الاكاديمي , العزف على آلة الطنبورة للعازف باسم فرنسيس ومداخلات و مشاركات للحضور ومنهم الدكتور رمزي روفائيل رئيس جمعية حدياب للكفاءات , و الناقد طالب زعيان و الشاعرة  فالنتينا يوآرش و الدكتور بالبارسكولجيا رفيق حنا , و فائزة ذياب نائب رئيس الجمعية الثقافية المندائية .

البُعد الفلسفي للصورة

جاسم عاصي

يبدو أن للصورة علاقة متينة بالتاريخ ، بسبب علاقتها بالذاكرة . والذاكرة ذات صلة بالزمان والمكان ، وهما من مقومات التاريخ  وسداه ولحمته . من هذا يمكننا التعامل مع هذا الفن من باب الأرخنة والتوثيق .

وهذا التوثيق بطبيعة الحال يتخذ له مجالا ً فنيا ً ، تدخل فيه أحيانا ً التقنية المباشرة ، لتصوغ نسقه الجمالي ، في استكمال الدلالات التي تنوجد من أجلها الصورة أساسا ً ، بمعنى أن تكون لها رسالة شأنها شأن الأجناس الثقافية والمعرفية الأخرى ، فالعين بطبيعة الحال تنظر بما هو مرئي أو مُشاهـَد ، لكنها تـُقيم عاقة جدلية مع الأشياء الموجودة ، حد اتخاذها رموز لها ، تبين من خلالها بناها الأساسية المتمركزة في اللامرئي ، أو غير المنظور ، الذي تؤشره وتكشف عنه الرموز والعلامات ــ سيميائيات الصورة ــ .

 هذه العلامات التي يتعامل معها الفنان توافقا ً مع جوّانياته ، أو بناه التحتانية غير المرئية ، وغير المحسوسة .

وهي من قبيل قطعة الثلج المغمورة . كل هذه الحراكات تستكمل الرؤية الفلسفية لفحص الظواهر التي تعنى بها الصورة .

أي أنها تتداخل مع مكوناتها المرئية وغير المرئية . فإذا كانت الأولى مكشوفة للعين ، فإنها تؤشر إلى الثانية عبر علاماتها ، والثانية تستلم مكوناتها من الذهن الذي يمتلك قدرة صياغة التكامل للدلالة التي تنتهجها للصور كاملة .

 إن ما تـُقيمه الصورة ، لهو الدأب على إقامة هذه العلاقة الجدلية ، بين المنظور واللامنظور ، وبالتالي تقيم علاقة بوسيلة الحوار الذي يقود هو الآخر إلى بنية فلسفية ، قوامها طبيعة النظرات الفاحصة للمشهد في الصورة ، والبحث عن مكوناته ، وخفاياه ، وما تدل بنيته الظاهرة ،عن بنيته العميقة غير المنظورة .

من هذا نرى أن هذه العلاقة ، غير محددة بما هو ملزِم بحيثيات التوثيق ، إنما يخضع الفنان إلى التوفر على ما يجده أكثر قدرة على التعبير والتأثير . فالصورة لدى الفنان الناظر إلى الفوتو باعتباره نصا ً ، يعطي لفنه قدرة العمل على مستويات متعددة ، سواء في نظرة الفنان كرائي للمشهد ، أو نظرة الرائي للصورة كناتج إبداعي يتوجب قراءته على وفق مستويات تخضع إلى البعد المعرفي التحليلي لما تظمره جدلية الصورة برؤية المستقبِل .

إن نظرة ( ميرلو ــ بونتي ) لفن الصورة   أعطى وظيفة جديدة لها ، وذلك من اعتبارها وظيفة ( إبلاغ ، تمثيل ، مفاجأة ، تدليل ، إثارة الرغبة ) . هذه مجتمعة تـُلزِم الفنان بشروط مرنة ، وليس العمل على وفق أيقونات ذات اعتبارات مقدسة  . فـ (ميرلوبو ــ نتيّ ) إنما يحفز الفنان على النظر إلى الاهتمام بوظيفته ، وما ينبغي عليه في مجال التفكير في  وظائف أخرى لعمله تستدعيه المتغيرات والكشوفات المعرفية التي تقود إلى اتساع الرؤى، الناتجة عن التجربة والعمل في هذا الحقل .

من هذا نجد أن الفنان صاحب مشروع نظري يعين كاميرته على إنتاج له مكانة ومميزات في التعبير والكشف ، وإن لم يبح بذلك مباشرة . فقط ترشح لوحاته مثل هذه الشذرات النظرية التي تنطوي على بنى معرفية ــ ثقافية للتصويرــ مجموعة الرؤى ــ  ، أو لنقل الرؤى التي أكدها ( ميرلو ــ بونتي ّ ) منطلقا ً من الجسد ، ومبتدئا ّ باليد  المستعينة بالعين المجردة للمصوّر وانسحاب هذا إلى مجمل مكونات الجسد البشري .

 إن الفنان بهذه الرؤية ؛ إنما يصوّر جسده ، لكنه لا يقع في وهم المشابهة أو المفارقة . وهي عودة إلى أسطورة ( نرسيس ) حين وجد وجهه على سطح الماء لأول مرة ، فأوهمته الرؤية على أنه الآخر ، وليس ذاته . هذا الفزع ، يكون ملازما ً للفنان ، ويتحقق حين يكون الفنان رائيا ً من بعد أن كان منتجا ً للصورة .

 فهو ذو رؤيتين ، رؤية ما قبل وأخرى ما بعد . لحظتها تكون له قراءة تصطف مع قراءة الرائيين الآخرين ، وتفترق عن نظرتهم في الخصائص الذاتية للقراءة . من هذا يكون فن التصوير هو الفلسفة التي تتناول العالم بأسلوب الفنان الخاص ، والمصوّر وحده الذي يدرك العالم ويجعلنا ندرك العالم ( العين والعقل ص7).

من هذا نرى أن الفنان ( كفاح الأمين ) ينطلق في صورته من فهم فلسفي ، خاضع لجدلية الوجود . وهذه النظرة محددة بحرية امتلاك الحركة في كلا الطرفين ، المصوّر والرائي . فالفنان وهو ينتج الصورة ، يعتمد أولا ً على رؤى مسبقة . وهي في مجملها رؤى فلسفية ، ترشحها ثقافته . أي أنه يأتي المشهد من باب نظرته للحياة .

 لذا يكون ثانيا ً رصده إلى العوامل التي تؤثر سلبا ً على أسس الحياة ، وصفاء ديمومتها . ولعل التخريب الذي تُسقطه الحروب واحد من مركزيات صور الفنان ( الأمين )  فهو ينظر من خلال استخدام جسده متمثلا ً في  ــ العين واليد والذاكرة المعرفية ــ ومن التجربة التي خاضها مع جمع الأقران في ظروف صعبة ( ينظر من أجل هذا إلى البوركَرام الذي حرره الفنان عن عمله في فصائل الأنصار في كردستان العراق ) لكي يقف على أهم ركيزة يعمل من أجلها الفنان .

كذلك يقف على ما تشكله الآلة ــ الكاميرا ــ في حقل رؤاه الفنية وما هي  سوى وسيط ، ينظّم مثل هذه التوافقات الرؤيوية ، لكنه وسيط ذكي ، يرتبط مباشرة بالعقل . يقابل هذا ما يحدثه الرائي المُستقبِل للصورة ، فهو الآخر ينطلق من وعي ذاتي ، محفوف بمعرفة خاصة ، تعينه على كشف عما هو خارج المُشاهَد ، معتمدا ً على فرضية معرفية ؛ كون المنتج ينطوي على مضمر لابد من البحث عنه . مثله مثل المنقب الآثاري الذي يُخضع أداته في التنقيب إلى الفرضية المعرفية . فالذاتين ــ ذات المصوّر وذات الرائي ــ غير منفصلتين تماما ً ، بل كلاهما يحاور الآخر ، لأن كلاهما يخضع لجدل المعرفة والفهم لوظيفة الصورة ، وطبيعة عين المصوّر وعين الكاميرا .

وبهذا تتسع الرؤية الناظرة إلى المستقِل. أي أن الناظر ــ الرائي ــ  يفحص نتاج المصوّر برؤى جديدة ومكتملة الآلية المعرفية . فنحن أمام حركتين نشطتين ، حركة جسد الفنان ، وحركة جسد الرائي . وكلاهما يتفاعل مع الآخر عبر الصورة المرئية . فـ ( الأمين ) يحاول وهو يراقب المشهد ، تسليط الضوء على مكوناته ، فقد اختاره من منطلق حساسيته إزاء الأشياء ومكونات الوجود  , وفهمه لجدليته . فهو لا ينظر إلى الظاهرة التي تتبناها الصورة ، من منطلق اجتماعي فحسب ، بل من كونها فعلا ً كونيا ً له محمولاته ودلالاته ، لاسيّما غياب الإنسان في أغلب صوره . وإن وجد فهو يعكس حالة التغييب ــ المطرود من مكانه ــ حسب رؤية الباحث ( ناجح المعموري )، مع احتساب ما يعبّر عنه ، في ما يخص الأثر والتأثير ، كونه ــ أي محتوى الصورة ــ هو نتاج حركة المجتمع سلبا ً أو إيجابا ً ، وإنها نـُخضع ذلك إلى وعي المركز في عين الكاميرا بعد أن يتمخض في حقل عينه الفاحصة المجردة في النظر إلى المشهد . ولديه في عين كاميرته بعدا ً آخر مضاف إلى ما تراه عينه ، لأنه على يقين من كونه بإزاء الاستعانة بعين ثانية تمتلك  تقنية وحساسية ذاتية ، تتمثل في التقنية من جهة ، وما خلقته عينه التي لها علاقة بالعقل من جهة أخرى. فنحن أمام حساسيتين ، الأولى حساسية عين المصوّر ، والثاني حساسية عين الكاميرا ــ عدسة الكاميرا ــ إن عين الكاميرا بطبيعة الحال تخضع لرؤية عين ( الأمين ) لكنها لا تتعامل مع ذلك من باب الأمر وتنفيذه ، بقدر ما هو نوع من الحوار المعرفي بين قطبين حيويين . هذا ما هو ظاهر من الوظيفة ، وواضح في المعطى من الفن  .

 في الفعل ورد الفعل ، لكن في حقيقة الرؤى ، تكون عين الكاميرا محفـّز للتخييل ، وتـتسقط ما هو مضمر ، أو الكشف عن المسكوت عنه في المشهد ، وذلك بالاستعانة بما هو مُشاهّدْ . أي كشف المضمر ، ليكون ظاهرا ً ومعبرا ً عن فعاليات كبيرة مضمرة في المغمور من الحركة في الصورة . وهذا ما نعنيه الجدلية الفلسفية في نتاج ( الأمين ) من الصور، فهي لا تقبل السكون لعالمها ، بل تنتهج الحركة والنماء من خلال ما تنتجه العين من علامات ، تكون شفيع الرائي في القراءة والمشاهدة بما تتركه من أثر يصوغ رؤى الرائي وتفعّل نظرته الفاحصة للصورة ، بحيث لا تمر رموزها واستعمالاتها عن مجال جدلية رؤيته المشاهِدة اعتباطا ً، بقدر ما تـُشكـّل علامة لوقفة فحص في مجال دراسة الصورة . إذ نرى أن عملية التفاعل بين عين المصوّر وعين الكاميرا ، ماهي إلا عملية إيقاظ لما هو كامن في الذات الإنسانية ، وكشف المفارقات عبر تلك السيمياء التي تتوزع وتواكب حيوية عناصر الصورة ، النابعة من ذات ناقدة ، تنظر لتنتج ، لا تنظر من أجل المتعة والتطلع فحسب .

إن إنسان ( الأمين ) في لوحاته  ما هو إلا نتاج بيئة اجتماعية وسياسية ، عملت عبر الأزمنة والأمكنة على أن تضع ذات الآخر ضمن حقل التهميش ، الإنسان الذي يدور في فلك الفراغ والاحباط ، وتراكم البؤس الموروث . إنه مقتول الإرادة ، وهو ينظر إلى المكان الذي لحقه الخراب مثلا ً جرّاء الحروب ، أو جرّاء العمليات إلإرهابية . لذا نتوقف على وجود النموذج الإنساني من هذا الخراب ، وهذا البؤس ، والإرادة المسلوبة المتحكمة  بالإنسان . فلوحات الفنان تستعيد الذاكرة للإنسان لما افتقده من أسس أسرية واجتماعية من جرّاء الفعل السياسي والاجتماعي . من هذا نرى إن صوره ما هي إلا نصوص تـُعطي ما هو مرئي ومعايَن ، وتـُحيل إلى ما هو خارج وضمن الكادر من ثراء في الرؤى المبنية عليها اللقطة ــ المشهد ــ . بمعنى يكون منطلقه من مثابة التعبير المباشر للوصول إلى ما هو أعمق منه . أما ضمن سياق العمل من أجزاء ، فهي ما تستكمل بها الصورة وجودها . كل ذلك يحدث بفعل الجدلية التي تـُقيمها الصورة ، لأسباب كامنة فيها ، ومتحركة ضمن ذهنية الرائي ، الذي يأخذ المحتوى مأخذ الفعل المخلـّق في التعبير ,. الصورة كما نراها عند ( الأمين ) عبارة عن كون مستمر الحركة ، وإن بدا ساكنا ً للوهلة الأولى أو الذي توجده الصورة بالمفهوم العام لها ، وليس بمفهوم القراءة الفاحصة. إن العلامات التي تتركها عين الفنان وعين الكاميرا في المـُنتـَج  ، هو الذي يشي بمحمولات علاماتية ينبغي فحصها ليس بمعزل عن المكونات الأخرى في الكادر ، وإنما تحريك الساكن المفترض ، ودمجه مع المتحرك الذهني جرّاء الفحص . إن دائرة الفحص ، تتشكل من عناصر متآزرة ، لا تنفصل عن المصدر المنتج ــ العين ــ   وذلك لا يعني أننا نتعامل معه بصورة مباشرة ، بقدر ما نعطي لكل فعل شارك في انتاج الصورة دوره . ولعل فعل التماثل مع الموجودات المتوفرة لعين المصوّر ، وتلك التي تتحفز بمعزل عن عينه ، لابد من أخذها بنظر الاعتبار . إن كل مقتربات الصورة ومقوماتها وسبل انتاجها تتظافر في عين المصوّر، وعين الرائي مع اختلاف الأزمنة والأمكنة .

يبقى الإنسان الذي هو رمز كل هذه الأفعال والبنى الفنية والموضوعية في لوحات ( الأمين ) الذي يلعب الوجود والعدم دوره في حضوره وغيابه في الصوّر . إنه حاضر غائب كما ذكرنا . وحضوره يكون من خلال شهادته على خراب المكان وإهماله ، ثم غيابه الحاضر أيضا ً ناتج عن الأثر الذي يتركه تبعثر مكونات المكان ، ونعني بها أثر الأشياء التي هي من آثار الإنسان المطرود من مكانه . والطرد كما نراه يخضع إلى منبع فلسفي ، وإن تكلل بفعل التدمير العام ، إلا أن سلب الحرية مثلا ً عند ( سارتر ) لا تعني الفرد لوحده ، وإنما تعني الفرد من المجموعة الإنسانية المستلبة الإرادة والحرية . فالفرد هنا مطرود من بين جمع المطرودين على صعيد الفعل السياسي والاجتماعي والثقافي . ولعل الطرد الأهم ، هو تخريب المكان الذي يماثل عش الطائر على حد تحليلات ( باشلار ) . من هذا نجد أن المطرود عند ( الأمين ) يكون من مكانه ومن حقل معارفه أيضا ً . أي تخريب بنيته المعرفية ، لكي يتمكن المخرّب الهيمنة على وجوده في الزمن ، فالتهميش الاجتماعي طرد ، والعزل السياسي طرد  ، وتخريب المكان بفعل الحرب طرد ٌ أيضا ً . فالإنسان العراقي مثلا ً واصل الطرد والإبعاد والتهجير والقمع عبر الأزمنة الطويلة المنصرمة ، وما زال يعاني منه ولكن بأساليب مختلفة . كل هذا وجد الفنان ( الأمين ) في ما يراه  معابر في معبر مركزي واحد هو الطرد ، وهو مفهوم فلسفي في نظرنا ، لأنه يتعامل بأكثر من ذراع ، ولعل الطرد المعرفي ــ الثقافي ــ واحد من أهم مسببات الطرد ، لأنه يتعلق بالحرية ، الحرية التي تنتج كل جماليات الوجود ، لأنها توفر لغة تقرّب الإنسان من بر الأمان ، وتوفر له مساحة لبناء نفسه والمشاركة في بناء العالم من حوله . إن إنسان الفنان هنا ؛ هو ليس فردا ً منعزلا ً عن وجوده ، بل مطرودا ً منه . وأجد أن تعبير ( المعموري ) ينطوي على بلاغة في اجتراح المصطلح  . بمعنى مبتعد قسرا ً بفعل العوامل المؤدية إلى مثل هذا العزل المتعَمـَـدْ ، الذي اختار المتَعمِدْ وسائل مختلفة وأسباب متعددة اختلقها للمباشرة بمشروعه التدميري هذا ، إلا أنها تصب في مركز واحد ، هو سلب الإرادة الفردية ، وبالتالي من مجموع الأفراد بما تنتج حالة مصادرة للإرادة الجمعية . وهذا ما نراه في والواقع العراقي منذ عام 2003 . إنه مصادرة متلاحقة ، وأفعال سلبية متراكمة ، تتعدد مصادرها ، إلا أنها ذات مصدر واحد يشكـّل المركزي في خلق بنيات متعددة تـُعطي نتائج متقاربة ، تتركز في تغييب الإنسان . فالاحتلال مثلا ً وهو مركز انتاج تلك البنيات مصاغ ومزوق بألوان متعددة ، لعل الحرية والديمقراطية المعطاة أبرزها وأساسها ، الحرية التي تمنحك مفهوما ً عائما ً ، وتقيـّدك بأفعال أخرى ، لعل تخريب المكان ومحو الذاكرة المركز الذ ي يشتغل عليه المحرك هذا . فبعد أن كانت الحرية تؤخذ ، أصبحت تـُعطى وتـُمنح من بين مجموع المِنـَح المعطاة للشعوب . فكيف يكون شكل المترشحات من هذا العطاء ، وعلى سبيل المثال ( الديمقراطية ) . هذا المركز ما تلاحقه صورة الفنان ( كفاح الأمين ) . فهي تحاكي الخراب المرسوم عل مقاسات المفاهيم الوهمية  والمُظلِلَة والخالقة لكون ووجود وهمي ، ينكفئ باستمرار، ولا يمنح سوى الخراب الناتج من الحراك اليومي الذي ترصده عين كاميرة الفنان .

 


مشاهدات 276
أضيف 2025/01/17 - 11:38 PM
آخر تحديث 2025/02/04 - 12:37 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 304 الشهر 1921 الكلي 10397292
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/2/4 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير