الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مع المسيحية (3)

بواسطة azzaman

مع المسيحية (3)

بيوس قاشا

 

وأما من ناحية السماء نقول: لقد أرانا يسوع أعمال الله وشخصيته وذلك من خلال حديثه إلى الناس واهتمامه بهم وبحاجتهم وبشفائهم أرانا أعمال الله وعلّمنا تعاليم هي بمثابة نماذج للأخلاق الرفيعة عبر العصور والأجيال، ومن أهم ذلك العظة على الجبل حيث فيها يعلّمنا يسوع كيف ينبغي لنا أن نعيش في مملكة الله حيث يكون الله ملك العالم، فقد كان يتكلم عن الله مثل أبيه، وعن نفسه مثل الابن، وأعلن أنه بكليّته في خدمة أبيه. وطعامه كان أن يعمل بمشيئة أبيه، فكشف للبشرية عن وجود أقانيم ثلاثة في الله الآب والابن والروح القدس، فقد كان يصعد الجبل ويصلّي إلى الله الآب ويختلي معه في تأمل عميق وبذلك علّمنا أن الابن والروح القدس لا ينفصلان ولكنهما متميزان في رسالتهما المشتركة، وبهذا يجعلان منظوراً الإله غير المنظور ويكشفانه، وكما يقول بول كلوديل:»لا تتكلّم عن المسيح إلا عندما يُطلَب منك ذلك، ولكن عش حياتك بشكل يجعلهم يطلبون منك ذلك». فحياة المسيح حدث الأحداث، وقد شكّلت القيامة منعطفاً ومنطلقاً لمعشر التلاميذ أمس واليوم، فهو الذي أحبّهم أولاً وبذلك وضع نفسه دونهم حيث قدّم يسوع نفسه نموذجاً ومثالاً للاقتداء به إذ لم يرى الله أحد، وصفاته ومزاياه طريقاً إلى الاقتداء بالله الذي رآه وسمعه وعرفه وكشف لنا من خلال أقواله وأعماله فنقتدي به ونحتذي ، وله نخضع لحسن استعداده وسعيه أو عدم سعيه إلى هذا الاقتداء والاغتناء به والامتلاء منه. وعبر الحياة التي هي هبة يمنحها الله وليست للإنسان نهاية الوجود بل هي عبور إلى مرحلة جديدة، فالحياة تتغير وتتبع الموت.فالمسيحية مؤسَّسة على تعليم وحياة يسوع المسيح الذي منه أوحى الله تماماً ونهائياً. فيسوع المتجسد ابن الله، فهو صالح الله العالم مع نفسه بيسوع المسيح، وخلّص البشر من أسر الخطيئة وهكذا أحبّ الله... (يو16:7).

خصومات بشرية

فقد جاء في قانون الإيمان في مجمعي نيقية والقسطنطينية أن المسيح صار إنساناً من أجل خلاصنا نزل من السماء. فالله أرسل ابنه الحبيب وأعطاه روحه القدوس ولا يمكن للعقل وحده إدراكه. هو السر المركزي للإيمان فهو سرّ الله وينبوع أسرار الإيمان كلها. وهذه دعوة إلهية أن نكون على يقين من أن الروح القدس يمكّننا بطريقة يعرفها الله (دستور «الكنيسة في عالم اليوم»، العدد 22). نعم، نشأت خصومات بشرية ونعرات قومية وعدم تفاهم بين الكبار أدّت إلى خلافات بين المسيحيين وإنهم الآن يعملون في هذه السنوات الأخيرة ليكونوا واحداً (يو21:17). فمنذ الجيل الأول من المسيحيين وُجدت التعددية والتنوعية داخل الأسرة المسيحية، وحينما قبلت الرسالة المسيحية جاءت وتطعّمت على التراث الروحي الموجود ودمجت القيم الإنسانية والروحية والاجتماعية لجميع الشعوب. فالمسيح ليس فقط رجل عظيم إنما نبي. علّم الكبار والصغار أنه المخلّص المرسَل من الله. وعندما تعرّفوا به أكثر أيقنوا أنه ابن الله بل الله نفسه في شكل إنسان، وهكذا كتب يوحنا عن يسوع يقول «إنه صار جسداً وحلّ بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوء نعمة وحقاً» (يو14:1). فالمسيح هو كل ما أراد الله أن يقوله لنا. فما العهد القديم إلا تحضير تجسد ابن الله، وكل وعود الله تجد اكتمالها في المسيح «فلما تمّ ملء الزمان» (غلا4) فقد قبل جسدنا البشري المائت وشاركنا مصيرنا الأرضي وآلامنا وموتنا وصار في كل شيء واحداً منا ما عدا الخطيئة.نعم، إيماننا يقول بأن يسوع شخصية حقيقية دخلت في التاريخ البشري. فلقد عاش يسوع حقاً على الأرض أيام كانت فلسطين تحت حكم الرومان فكان تعليمه دعوة ملحّة للبدء بتجدد روحي ولكنه كان أيضاً وعداً بالتحرر والفرح. فهو أسمى وأروع وأعظم شخص وجد في هذا الكون وهذا ما يظهره توما التلميذ المشكّك حينما عاد وارتمى عند قدمي يسوع قائلاً «ربي وإلهي». فَمَن يعرف يسوع يعرف الله، ومَن يراه يرى الله، ومَن يثق به يثق بالله، ومَن يكرهه يكره الله، ومَن يكرمه يكرم الله. لذا أن تكون مسيحياً يعني أن تتصل على الدوام بشكل أعمق بحياة المسيح وهذا ما يدعوك إلى قراءة الإنجيل وعيشه فهو يريد الله أن يقول لنا كل ما هو يريد فهو يقيم ويرغب بنا لكي نحيا بواسطته مجدداً في مكان جديد وفي زمن جديد وفي محيط إنساني جديد. فالإنجيل هو الكنز الأثمن للكنيسة ولأبنائها، وهذا ما نراه في أعمال الرسل حيث نطّلع على إنطلاقة الكنيسة وعلى عمل الروح القدس كما يُظهر ابن الله نفسه كيف هو وكيف يلاقينا. فجميع الناس مدعوون إليه ليكونوا من شعب الله في حب الوطن. فهذا الرجل الذي دخل التاريخ وعاش في فلسطين ومات من أجل قضية وقام بعد ثلاثة أيام ورفعه الله ووقف معه مصدّقاً شخصه ومفنّداً الحجج التي كان يسوقها العالم ضده. فقدم نفسه أنموذجاً للإنسان والإله المحب الذي لم يراه أحد، وطلب منا الاقتداء به وبصفاته المُحبّة وخصاله ومزاياه. وكل مسيحي بات يعي أن هويته هي هوية ابن الله تمكّنه من التصدّي لمصاعب الحياة كي يتخطّى البدع وتقلبات الفوضى السائدة في عالم العنف والكراهية رغم أنه عالم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. إنها رسالة يسوع، رسالة المحبة والغفران والرحمة، وقد رأت الحب اللامحدود واللامتناهي. إنه الكلمة إلى مريم وإلينا جميعاً، والرسالة تكمن في حبّه وحب الوطن بأرضه ومياهه وحب السماء. ختاماً كل عام وعيد الميلاد نعمة وبركة لهذا الشعب ولهذا الوطن والكل بخير ولتكن للأعياد رسالة محبة وسلام مع الآخر... نعم وآمين.

  مسؤول كنيسة مار يوسف للسريان الكاثوليك

 


مشاهدات 33
الكاتب بيوس قاشا
أضيف 2025/01/14 - 9:30 PM
آخر تحديث 2025/01/15 - 4:46 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 182 الشهر 6671 الكلي 10196636
الوقت الآن
الأربعاء 2025/1/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير