أيقونة بغداد التي خبا بريقها
مهند الياس
شارع الرشيد ، ايقونة بغداد ، والتي كانت تتلآلآ ايام الزمن الجميل وترفد زوارها بابتسامتها العذبة والرشيقة وتغري مراياه الواسعة والتي تتحرك فيها ما تحتاجه الرغبة في اقتناء الاشياء الجميلة .. هذه الايقونة المطرزة والموشومة بعبق التأريخ اخذ بريقها يضمحل ، وتتدلى تجاعيدها مترهلة ، تعاني من ضربات الزمان الجديد الذي لا ترحم رياحه ولا تهدأ عواصفه التي أذته كثيرا ونالت من ضفافه المشرقة !
... لم تكن هنالك واجهة ( مكتبة مكنزي) .. اذ كانت رئة الكتاب الذي كثيرا ما يطلبه الاجنبي قبل العراقي .. ولا واجهة ( مصور بابل) ، مصور الملوك والزعماء والشخصيات المتميزة في المجتمع العراقي .. ولا الخياط (احمد خماس) خياط الاكابر والمرموقين من اصحاب الذوات ، ولا واجهة ( جواد الساعاتي) صاحب الساعات السويسرية الشهير ... اما مول بغداد المعروف بـ ( اورزدي باك) وهو اول سوق تجاري في العراق ، فقد اصبح سكنا مجانيا للذين لا يملكون وطنا ( عفوا) مسكنا او قل فندقا من الدرجة العشرين تتوزع عبر زواياه تلال من تراكمات الاوساخ والفضلات لتشكل مكبا للنفايات التي يقذف بها اصحاب المخازن ومطاعم الارصفة القريبة منه.
ان هذا الشارع وتركه بثيابه الرثة هذه ، هي حالة غير جديرة حضاريا ، لاننا وكما نعرف ان المدن التي تحمل تأريخا في بقية انحاء العالم تصبح وجهة للسياحة ، كونها تحتفل باثرائها الزمني والتأريخي ... اما نحن وكما يبدو ، نتركها فريسة للنسيان ولعواقب الاهمال ، بقصد او بدون قصد !
لقد اصبح شارع الرشيد ، مجرد صورا معلقة في ذاكرة ابناء الزمن الجميل ... ومعلقة على جدران المقاهي وهي جامدة الحياة ،تحكي بصمت عذابات الحاضر والتي تمضغ هذه العذابات العيون بحسرة والم ... فالشباب اليانع الذي كان يزهو به هذا الشارع ، الم به الكبر وغزاه شيب النسيان والعزوف عن حاله ، فاصبح كهلا ... فهل من يصغي او ينتبه الى استغاثته وصراخه ، ليعيد لهذا الباذخ ايامه الحلوة ، ويعيد له ولو قليلا من نضارته دون ان يغير من تفاصيل سماته!