الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
إنتخابات مجالس المحافظات والتراجع المتوقّع

بواسطة azzaman

إنتخابات مجالس المحافظات والتراجع المتوقّع

حسين الزيادي

 

عزوف غير مسبوق لانتخابات مجالس المحافظات في العراق 2023 ومشاركة حزبية خجلة، وهذه النسبة الضئيلة كانت متوقعة في ظل اللامبالاة والاستياء وخيبة الأمل في أوساط الناخبين، وهي ظاهرة تستدعي وقفة جدية ومعالجة موضوعية وتشخيص موضوعي للخلل الذي اعترى التجربة الديمقراطية في العراق، لان نجاح العملية الديمقراطية يجب ان يرافقه نجاح حكومي ومجتمعي ، علما ان قلة المشاركة في الانتخابات لا تؤثر في شرعية نتائجها ، لكنها تبعث برسائل واضحة ومضامين جلية يجب ان تعيها الطبقة السياسية الحاكمة وتؤكد على وجود فجوة بين الشعب والحكومة، فهي شكل من أشكال الرفض والاحتجاج، وصورة من صور التعبير عن السخط وعدم الرضى، فاغلب الناس يعتقدون أن الانتخابات لا تنتج تغييراً ملموساً ولا يتوقعون تحسناً في أداء الحكومة أو في مستوى الخدمات العامة، وان اغلب المرشحين يبحثون عن مصالحهم الشخصية ومصالح احزابهم، ويجد الكثير من المواطنين أن مقاطعة الانتخابات وسيلة لمعاقبة الطبقة السياسية، إلا أن تلك المقاطعة وفق قانون (سانت ليغو) تخدم الأحزاب الكبيرة، ولاشك ان هذه النسبة الانتخابية المتواضعة ستسهم في انتاج مجالس محافظات تفتقر الى الكفاءة والشعبية وستنتج منها حكومات ضعيفة ومستضعفة مقرونة بالفساد لا تمثل توجهات جماهيرها ولا تمتلك فلسفة التغيير والعطاء..

جهات حزبية

 وفي الوقت الذي تكون مجالس المحافظات خطوة نحو البرلمان فأن المواطن يشعر  بانها مغنماً للكثير من الجهات الحزبية والسياسية التي تحاول غرس جذورها عميقاً داخل منظومة السلطة في الإدارات المحلية وتسخير إمكانات الدولة لصالحها، لما تتمتع هذه المجالس من صلاحيات مهمة، وعلى الرغم أن قانون مجالس المحافظات الذي أقره الدستور العراقي المشكل عام 2005، يعد تأكيداً للحكم اللامركزي الذي تتمتع به الكثير من النظم الديمقراطية إلا أن انتقادات عمل مجالس المحافظات، كانت قد طالت جميع فئات الشعب وطبقاته، كونه كرس للأساليب البيروقراطية، ورسخ ثقافة الفساد والمحسوبية، وأصبح سداً منيعاً امام تحقيق مطالب الشعب في الحصول على الخدمات.

وأياً كان سبب المقاطعة الانتخابية فان المقاطعون لهذه الانتخابات يساهمون، من حيث لا يشعرون، في  فوز  الفاسدين مرة أخرى وإيصالهم إلى البرلمان والسلطة فمقاطعة الانتخابات في العراق استراتيجية خاطئة في ضوء الواقع الحالي وبهذا المعنى، فإن المشاركة الانتخابية التي اسفرت عنها انتخابات الامس توعز إلى النخب السياسية بأن شرعيتها باتت مهدّدة، لان الانتخابات تعمل على إرساء الأسس اللازمة لكفالة عنصر الشرعية للقوى السياسية،  وعندما يتعلق الأمر بالتغيير السياسي، فإن اغلب العراقيين اليوم يعتقدون أنه لا يمكن تحقيق ذلك من خلال صناديق الاقتراع، لان القوى السياسية أحكمت قبضتها بقوة على النظام السياسي وأصبحت مالكة للموارد والسلطة والاعلام في وقت يتمتع المستقلون بفرصة ضئيلة في الحصول على أغلبية الأصوات والقدرة على تشكيل الحكومة.

حلقة رقابية

في المفهوم الدستوري تشكل مجالس المحافظات حلقة رقابية وتخطيطية لا غنى عنها لان المحافظة إذا تُركت من دون مجلس فسوف تكون هناك دكتاتورية مفرطة، وقيادة كاملة على المحافظة فلابد من وجود مجلس يراقب ويخطط  ويقترح، لذلك نعتقد ان تقنين هذه المجالس لتصبح فريق استشاري تنفيذي واسع الصلاحيات، اكثر مقبولية لدى الشعب واقل هدراً للمال العام ، ونتائج الانتخابات تعزز هذا المقترح فالمواطن بات يعتقد بشدة ان مجالس المحافظات حلقة مرفوضة وغير مهمة للمواطن والمصالح العامة، وان العودة الى الانتخابات بشكلها القديم ما هو إلا التفاف على مطالب الشعب الذي رفضها في مناسبات عدة.

إن تقديمنا هذا يهدف إلى تشخيص بعض جوانب الخلل في سواء في رؤية الناخب او فيما يتعلق بالمستلزمات المعنوية للعملية الانتخابية التي تتطلب نجاحات في جوانب اخرى تعزز ثقة الناخب بالعملية السياسية وماتفرزه، وهذا  لا يعني أننا نسعى إلى زرع نظرة تشاؤمية بالمستقبل القريب أو البعيد، وإنما هو تشخيص مستقبلي يمهد لحسن الاختيار من قبل الناخب ويصحح ما يمكن اصلاحه، فالعملية السياسية باتت اكثر من أي وقت مضى بحاجة للتغيير في مضامينها و شخوصها لان التغيير سنة الله التي لا حياد عنها، ومهما يكن فالحياة لا تعيش في منازل الامس وما كان مقبولاً قبل عقد من الزمن لا يشترط قبوله في الوقت الحاضر، ويقيناً ان الاستحقاقات الانتخابية المقبلة لن تسهم في إنهاء حالة عدم الاستقرار السياسي لان المسببات مازالت تضرب بجذورها بعيداً في الجسد السياسي في ظل غياب الرؤية السليمة والمشروع الوطني المتكامل .


مشاهدات 483
الكاتب حسين الزيادي
أضيف 2023/12/22 - 10:34 PM
آخر تحديث 2024/06/30 - 8:43 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 401 الشهر 11525 الكلي 9362062
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير