الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
دولة تنابلة السلطان

بواسطة azzaman

دولة تنابلة السلطان

باسل الخطيب

 

أمعن أبو آراز بتقرير الأداء الذي قدمه المدير العام لواحدة من شركات الصناعة النسيجية، متباهيا بما بالأرباح التي حققتها الشركة، التابعة لوزارة الصناعة والمعادن، خلال ذلك العام، قبل أن يصدمه قائلا «هل تعلم يا أستاذ ان الدولة ستحقق ربحا حقيقيا إذا ما أغلقت أبواب الشركة وأقعدتكم في بيوتكم مع تسليمكم رواتبكم كاملة»!!!

وأكمل أبو آراز، الذي كان يدير مركز المعلومات في الوزارة، قبل أن يفيق المدير العام من صدمته، قائلا إن الشركة «تستلم الدولار من الدولة بسعر مدعوم يقل بأكثر من عشرين مرة عن سعره في السوق، فضلاُ عن الدعم الذي تقدمه الدولة لمزارعي القطن، في حين تسعر الشركة منتجاتها وفقاُ لسعر الدولار في السوق»، مواصلا وإذا ما أخذنا ذلك في الحسبان تكون الشركة قد «كبدت الدولة خسارة مضاعفة وفقاُ للحسابات الحقيقية وليس تلك القائمة على فرق سعر الدولار».

وإذا ما كان حال تلك الشركة لا يختلف كثيرا عن حال العديد من الشركات الصناعية العامة قبل سنة 2003، فإن حال تلك الشركات بعد ذلك التاريخ أدهى وأمر، لاسيما في ظل الترهل الوظيفي المرعب، وغياب الاعتماد على معايير الكفاءة والجودة، ناهيكم عن كيفية اختيار الإدارات وفوضى الجانب المالي والمحاسبي.

وللدلالة على جانب من ذلك، فقد اكتشفت هيئة النزاهة مؤخرا، وجود أكثر من ألفي موظف «فضائي» في الشركة العامة لصناعة الأدوية والمستلزمات الطبية في سامراء فقط!!! وربما يكون الرقم بعدد أكبر من الأصفار إذا ما دققت ملاكات باقي الشركات!

قطاع عام

إن غياب معايير الكفاءة والجودة والجدوى الاقتصادية، أو عدم الالتزام بها بالنحو السليم، كارثة حقيقية تضرب أطنابها في القطاع العام العراقي بعامة، وتجعل منه بابا واسعا للفساد وهدر المال العام، فضلا عن المواد الأولية، قدر تعلق الأمر بالقطاع الصناعي.

إن نظرة بسيطة لواقع حال شركات القطاع العام كفيلة بكشف واقعها المزري، وتخلفها وكونها عالة على المجتمع. وزاد الطين بلة إن من بين أهداف النظام القائم بعد 2003 (نظرياً) ، تطبيق مبادئ اقتصاد السوق، في حين أنه ما يزال يطبق، على أرض الواقع، التوجه المركزي، ويحتفظ بالهيكلية التي ورثها من النظام السابق، مع تعديلات تدلل، في الغالب، على العشوائية والتخبط وغياب الرؤية الاقتصادية السليمة.

وهنا لا بد من الاعتراف بأن أي معالجة حقيقية لوضع القطاع العام بعامة، والصناعي منه بخاصة، تنطوي على مخاطر جمة منها ما هو اقتصادي، وما هو اجتماعي وهو الأكثر حساسية لأسباب معروفة، بعضها انتخابية.

وقد أقر وزير سابق، ممن تولوا وزارة الصناعة والمعادن بعد 2003، ذات لقاء شخصي معه، بأن الأمر لو كان بيده لعمد إلى «غلق غالبية شركات الوزارة أو خصخصتها!!! وإعادة هيكلة الأخرى على وفق أسس علمية واقتصادية سليمة»، مستدركا لكنه يدرك أن ذلك الأمر «خيارا مستحيلا بل ويشكل انتحارا في ظل الأوضاع الراهنة حيث تسود المحاصصة وهيمنة الأحزاب والتدخلات من مختلف الأطراف التي لا تريد وجود المنتج الوطني!».

وللدلالة على ذلك نستذكر ما قاله عضو لجنة الاقتصاد والصناعة، النائب علي المكَصوصي، اليوم السبت (26 آب/ أغسطس 2023)، بشأن وجود «قرابة 290 مصنعا ومعملا لدى وزارة الصناعة في عموم العراق، المتوقف منها ما يقارب 100 «، عازيا توقف هذه المصانع إلى «أسباب عدة أبرزها سوء الإدارة والفساد والإصرار على الاعتماد على الاستيراد وعدم دعم المنتج المحليما يكلف الملايين لخزينة الدولة»، الاسيما ان هناك مصانع ومعامل «تدفع رواتب لموظفيها منذ سنين وهم دون أي عمل حقيقي أو إنتاج»!!!

وبدورها أقرت وزارة الصناعة والمعادن، بوجود 40 ألف عامل «فائض» عن حاجتها، مؤكدة أنهم «يأخذون رواتبهم من خزينة الدول برغم وجود العديد من المعامل الخاسرة التي لا تسد رواتب موظفيها»!!! في حين يرى مختصون أن الكثير من معامل الوزارة «أصبحت متهالكة وقديمة ومتخلفة ولا جدوى من إعادة تشغيلها أو صيانتها»!!! إن الواقع الاقتصادي للعراق يسجل مؤشرات سلبية متفاقمة، برغم تصاعد إنتاج النفط وزيادة أسعاره، كما إن حجم العجز في الموازنة والديون المترتبة على البلد، في تزايد مستمر، وهو ما ينذر بالأسوأ لاسيما إذا ما استمرت السياسات الاقتصادية الحالية والترهل الوظيفي وعدم ترشيد الانفاق وتردي أوضاع القطاع العام.

إن العراق يعاني من دوامة حقيقية، لأنه بقدر ما يحتاج إلى قرارات اقتصادية جراحية شجاعة، وإصلاح جذري لواقع حال القطاع العام صناعيا كان أو خدميا أو وظيفياً.. فإن نظامه السياسي نفسه بحاجة هو الآخر لإعادة نظر جذرية!!!

إن بقاء الحال على ما هوعليه لا يبقي العراق في مصاف الدول الفاشلة حسب، بل وينذر بما هو أسوأ لا سامح الله.. من هنا يحق لنا التساؤل إلى متى يبقى العراق دولة تنابلة السلطان؟ّ!


مشاهدات 623
الكاتب باسل الخطيب
أضيف 2023/12/20 - 4:05 PM
آخر تحديث 2024/09/25 - 8:01 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 208 الشهر 38765 الكلي 10027387
الوقت الآن
الجمعة 2024/9/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير