الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
القادم صادم

بواسطة azzaman

كلام أبيض

القادم صادم

جليل وادي

 

كلمتان تعطيان المعنى نفسه إن تقدمت احداهما على الأخرى ، (القادم صادم) هكذا يُعلق بعضهم في مواقع التواصل الاجتماعي بعد أي تغيير في مناصب الدرجات الخاصة . ومع ان العبارة قابلة لتأويلات شتى ، لكن المُراد بها التنكيل بالمتشبثين بمناصبهم ، واشاعة روح الأمل لدى منافسيهم وخصومهم . وبصرف النظر ان كانت مثل هذه التعليقات مقبولة او غير مقبولة ، لكن هذا هو الفضاء الرقمي المفتوح ، وعلى الجميع تقبله بغثه وسمينه ، فقد اتاح حرية واسعة لمستخدميه قول ما يشاؤون ، فيمدحون من يحبون ويذمون من يكرهون ، فضاء يغلب فيه الذاتي على ما هو موضوعي.

ليس بالضرورة أن تكون جهات هذه المواقع قريبة من مصدر القرار ، وعارفة بمنْ سيبقى ومَنْ سيغادر ، لكنها تجهد بالإيحاء على انها كذلك ، لدرجة عدّها بعض أصحاب المناصب مصدرا اخباريا موثوقا ، فيتسلل القلق الى نفوسهم ، وترتبك مسيرة عملهم ، متناسين حقيقة ان التغيير حاصل لا محالة ان لم يكن اليوم فغدا، وجاء في موروثنا الكلامي ( لو دامت لغيرك ما وصلت اليك ) ، فلا شيء يدوم ، ولابد من نهاية ، فالتغيير كالموت حقيقة مطلقة غير قابلة للتشكيك.

للمنصب في بلادنا حلاوة ما بعدها حلاوة ، فهو السلطة والجاه والمال ، ولأنه كذلك فلا تظن أحدا من جماعتنا يغادره مسرورا ، ويعلل النفس بالتحرر من المسؤولية ومتاعبها ، وما يترتب عليها من ذنوب التقصير في خدمة الناس والوطن ، والمغامرة بالتاريخ الشخصي في حال فشل تحقيق الأهداف ، مع ان بعض الفشل ليس نابعا من قلة الخبرة او نقص المهارات او ضآلة الثقافة فحسب ، بل لأن هناك من يريد لك أن تفشل ، فيصير عملك كالمشي في حقل للألغام.

أصحاب المناصب لدينا ثلاثة أصناف ، أحدهما لا يبغي سوى مكاسبها الثلاث المذكورة وهو الغالب ، والآخر نزيه ، لكن الحذر من تفجر لغم يشغله عن التفكير بالتطوير، وثالث شجاع تشّبع بحب الوطن ، ولا هم عنده سوى الاسهام في نهوض البلاد مهما كان الثمن ، لكنه كقطرة عذبة في بحر مالح ، ولذلك عم الخراب ، وغدت الصورة غائمة ، واشتبك الحابل بالنابل ، ما أفقد الاصلاح محتواه ، ولم يبق منه سوى الكلمة وما تحمله من ارث عظيم.

ولا غرابة أن يقدم الجُدد على المناصب فرحين بوجوه مستبشرة ، يعتلون الكراسي بتفاؤل وحيوية ، وبأحلى ما لديهم من ثياب ، لكن اللافت نسيانهم ليوم المغادرة القادم لامحالة ، او من يسمعهم لاحقا ان ( القادم صادم ) ، ومصداق ذلك عدم وجود من اعتذر عن التكليف بدواعي الخشية من يوم الحساب الالهي الذي لا معيار فيه سوى صالح الأعمال ، او الخوف من لعنة الناس فيما لو كان امتدادا لفشل من سبقوه ، او عدم امتلاكه المؤهلات الكافية ، او عدم توافر عوامل النجاح ، الجميع يقبل بالتكليف ، المؤهل وغير المؤهل ، الذي مضت عليه عقود في الوظيفة ، والذي للتو باشر فيها ، أما ماذا سيتحقق ، وهل سيُضيف شيئا نوعيا للمؤسسة ؟، فذلك ليس في وارد التفكير.

أتمنى أن تعقد مؤسساتنا مؤتمرات دورية تُناقش فيها الأداء بالأرقام ، وفي ضوء ذلك يكون التغيير وتجديد التكليف ، وتُرفض فيها الأعذار المتعلقة بالإمكانيات والتخصيصات والعقبات ، فعلى المكلف أن يُخضع كل ذلك للدراسة قبل قبوله بالتكليف . وطالما ليس هناك ثواب وعقاب حقيقي ، فلا أحلى من المنصب ، انظروا في تقييمات الأداء ، غالبية درجاتها عالية ، ويندر الضئيل فيها ، فاذا كان الأداء ممتازا ، فلماذا تأخرنا عن اللحاق بالآخرين؟.

الاصلاح ليس شعارات او تأملات شخصية ، انما هي آليات محددة تفترض تطبيقات صارمة ،  وتبديل الشخوص أحد عناصرها ، اما الاقتصار على الشخوص ، فهذا يشبه الحفر في البحر ، وخلاصة القول : إن لم يكن الاصلاح هدفا (فالقادم صادم).

 

jwhj1963@yahoo.com

 

 

 


مشاهدات 403
الكاتب جليل وادي
أضيف 2023/11/18 - 10:18 PM
آخر تحديث 2024/07/14 - 8:26 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 372 الشهر 7940 الكلي 9370012
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير