العراق تلك الواحة الاقتصادية تعاني الخراب الاقتصادي في مواردها البشرية والطبيعية والمادية، فلا صناعة تذكر ولا زراعة تكفي ولا بنى ارتكازية يقوم عليها بناء وتقدم. اقتصاد ريعي يستهلك ثروته في نهب وسرقة وملىء كروش واطفاء ثورة!
بيد أن نظرة نحو نهضة اقتصادية لبلد وشعب مثل العراق انطلاقاً من واقعه وظروفه، وسط عالم تقدمت فيه دول وشعوب كثيرة بحاجة الى تأمل ونظرة عميقة وابداع في الرؤية والخطوة. ان السير بخطى ” كلاسيكية” لن يجدي نفعاً كبيراً!.
من هذا المنطلق أطرح في مقالي البحثي جملة من الأسس، أسميتها الأعمدة السبعة، التي الني عليها نظرتي في نهضة العراق الاقتصادية.
الأعمدة السبعة لنهضة العراق الاقتصادية:
العمود الأول: الجانب الفلسفي والفكري والرؤيا الجديدة في مفهوم الاقتصاد
انه الإطار الذي يجب ان تسترشد به الأهداف والخطط والسياسات الاقتصادية التي ستوضع من أجل تحقيق تلك النهضة. ولعلنا نستعين بالاجابات على مثل هذه الأسئلة من أجل ذلك:
ماذا نريد من اقتصادنا من أهداف سياسية واجتماعية وثقافية؟
ما هي امكاناتنا المتاحة او التي يمكن توفيرها
ما هي الفلسفة الاقتصادية التي تستجيب بايجابية الى محيطنا الاقتصادي والتطورات العالمية؟
ما هي خصوصياتنا المتميزة في تحقيق تلك النهضة؟
العمود الثاني البنية الأخلاقية والقدراتية للسياسة:
تدار الدول والشعوب من خلال قادة سياسيين. هذه الإدارة لا يمكن أن تكون ناجحة اذا لم تحظ بقبول شعبي في اخلاقيات ساستها وقدراتهم على التعامل مع الظروف وفي الأزمات.
فسياسيوا الفساد لا يمكن أن يحققوا لشعوبهم البناء والنهضة. وهكذا هم الساسة غير الأقوياء والمقتدرين.
العمود الثالث البيئة الاجتماعية في قيمها وعاداتها وسلوكياتها وعلاقاتها
قد يغفل أو يتجاهل أو يسيء البعض تقدير العامل الاجتماعي في تحقيق نهضة أي شعب. ان القيم والعلاقات الاجتماعية يمكن أن تشكل القاطرة الساحبة لقطار النمو والنهضة، وقد تشكل من العوائق الكبيرة على درب تحقيق تلك النهضة. إن البيئة الاجتماعية التي لا يحظى فيها العمل على شرف التقدير ولا تحترم فيها المهنة لا يكتب لاقتصادها من نمو ولا نهضة.
العمود الرابع التعليم والتأهيل في إطار رؤية اقتصاد الوفرة وكفاءة استثمار الموارد المتاحة
يقوم تقدم أي اقتصاد في روحه على التربية والتعليم والتأهيل. ان ما يعيشه الإنسان وما يعتز به من كرامة انما هو فعل تربوي، يعززه تعليم وتأهيل لصونه.
كما أن فهم الاقتصاد ودوره باعتباره اقتصاد وفرة يقوم على الابداع والابتكار
انما يعبر عن أهمية وخطورة التعليم في أمر النهضة الاقتصادية.
العمود الخامس العوائد المالية والاجتماعية لأصحاب فوائض القيمة
ان تحفيز قوى العمل والانتاج، تحفيزاً عادلاً قائماً على أسس تدفع بها الى العمل والابداع والابتكار والانتاج من جهة، والى مكافأتها بما يجعل من تراكم الثروة لديها سبيلاً لاحقاً للاستثمار الوطني الشريف، ومدعاة احترام اجتماعي لها.
العمود السادس استثمار الموارد غير المادية أو المهارية من الارث الحضاري أو التاريخي
حياة الشعب ليست ذات بعد زمني واحد متمثلاً بحاضره، وانما تمتد تلك الحياة لتتأثر بماضيها وانجازاتها الحضارية.تعالوا نتجول في شوارع المدن العريقة وصفحات كتب تاريخها، فسنجد أنها تفخر برجالاتها ونسائها من قادة ومفكرين وعلماء وفنانين وشعراء وأدباء. هذه الذاكرة هي مصدر فخر من ناحية، ونبع تحفيز لهم من ناحية أخرى.
العمود السابع القيم الثقافية السائدة
ان جميع ما تناولناه من أعمدة كأسس للنهضة الاقتصادية لا يعمل دون أن تسود قيم وعقليات وانماط تفكير وسلوكيات وفنون وعلوم في المجتمع. كما ان من أخطر الأمور قاطبة هو ثقافة تعاملنا مع الزمن ذلك المورد الذي لا يمكن تعويضه حين يذهب سدى! وما أكثر ما نضيعه من زمن في سياسة خداع ومماطلة، واقتصاد استهلاك دون انتاج، واجتماعيات لا أثر لها غير المحاكاة أو النفاق أو اضاعة الزمن!
العراق والنهضة الاقتصادية:
في ضوء ما عرضناه من أسس لتلك النهضة نجد أنفسنا في العراق أمام تحديات كبيرة، وكبيرة جداً، منها:
فساد غالبية الطبقة السياسية وعدم ولاءها واخلاصها للعراق الوطن، من ناحية، وعدم كفاءتها في تحقيق نهضة أو أمانتها في حمل مسؤولياتها من ناحية أخرى. انه الفساد الذي أسس له الاحتلال وشرعنه دستوره.
غياب الاقتصاديين القادرين أو الراغبين أو ممن تتاح لهم الفرصة لتقديم رؤى وخطط نهضة اقتصادية تحمل الابداع في تعاملها مع العصر والمستقبل، وعدم التقيد بكلاسيكيات لم تعد تغني أو تسمن من جوع.
رشوة العلماء والمختصين بمناصب ورواتب ومخصصات ومناصب كبيرة، والتي شكلت غشاوة على أعينهم أو جعلت من أصواتهم غير مسموعة، أو وربما لأسباب حقد تاريخي في وعيهم الباطن.
شيوع ثقافة السرقة والنهب والسلب والاستهلاك والاسراف وبالتالي هدر الثروة الريعية وتجاهل اهمية الادخار والاستثمار والتشغيل ذي العائد الاقتصادي.
عدم كفاءة المخرجات التعليمية في فعل تغييرها لواقع التخلف، فأصبحت الشهادات الجامعية وغيرها لا تعدو كونها ورق عليه توقيع وختم.
إنفصامية القيم والممارسات الروحية والتربوية والاجتماعية بالعلاقة مع اشتراطات ومستلزمات النهضة الاقتصادية.
غياب الوعي الاخلاقي والقانوني والضرب على الكسب والاستثراء غير العادل والمشروع.
ما العمل؟ انها مهمة كبيرة دون شك، لا يستطيع حملها سوى:
القادة الأمناء الكفوئين والمخلصين قبل كل شيء لوطنهم، أؤلي العزم والكرامة والإباء. المقتدرين ممن يمارسون الابداع في التعاطي مع المعطيات وفق نظرة مستقبلية. الشعب الذي يعي ما هو عليه، وما يرغب به، وما يسعى اليه، وقبل هذا وذاك ممن يحترم ذاته وتاريخه ويحرص على مستقبل ابنائه!