الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الميمية والمجتمع القادم

بواسطة azzaman

حرب الثقافات .. أين نمضي ؟ (13)

الميمية والمجتمع القادم

منقذ داغر

 

قلت في المقال السابق أننا نعيش آلام مخاض الوليد الأجتماعي القادم وهي آلام أشد مما شهدته الأنسانية حينما تحولت من الصيد للزراعة ثم من الزراعة الى الصناعة،بسبب طبيعة المولود الناجم عن الرقمنة والمختلف كلياً عما عرفته الأنسانية والقريب جداً من واقع مسلسلات وأفلام الخيال العلمي التي ما فتأت هوليوود تنتجها. أننا أزاء ما بات يعرف بحقبة ما بعد الأنسنة Post humanism التي أشرنا اليها في حلقة سابقة.أنها المرحلة التي يراد فيها دمج الأنسان مع الآلة عبر ثلاث تقنيات رئيسة هي الذكاء الأصطناعي والواقع الأفتراضي والواقع المعزز(أي دمج الأفتراضي بالواقع الحقيقي). أنه العصر الذي سيختلط فيه الأنساني مع المصطنع ويتوحد فيه الأنسان مع كل محيطه ضمن تطبيقات تكنولوجية معقدة ويصعب تصورها الآن. أنه العصر الذي تجاوزت  فيه كل من شركات الرقمنة الأربع الكبرى( أمازون وأبل وفيسبوك"ميتا" وكوكل) حاجز التريليون دولار كقيمة سوقية وباتت عمالقة أعمال تتحكم في جزء كبير ليس فقط من حاضر الأقتصاد،بل ومستقبله أيضاً. وأذا كان عصر الأستعمار والأمبريالية قد تميز بهيمنة شركات النفط والسلاح فأن هذه الشركات لوحدها تجاوزت قيمة ونفوذ تلك الشركات وبمدة أقصر بكثير مما أحتاجته تلك الشركات لتصبح كيانات أقتصادية كبرى. لكن السؤال هو:ما علاقة الرقمنة وشركاتها بالميمية وتداعياتها؟

تأثير الرقمنة

هناك أتجاهان لتأثير الرقمنة على المجتمع عموماً وعلى الميميين بخاصة: الأول داخلي ويتعلق بمتطلبات العمل في تلك الشركات التي تبحث عن الأفضل من بين العاملين بغض النظر عن خلفيته الشخصية والأجتماعية. فبينما لا تزيد نسبة الآسيويين في المجتمع الأمريكي مثلاً عن 5 بالمئة فأن نسبتهم في شركات التقنية تتجاوز 11 بالمئة ولأنهم يريدون الأفضل والأكثر أبداعاً فأن العاملين في هذه الشركات ينالون في العادة أجور تزيد بخمسة أضعاف عن معدل الأجر العادي في الشركات الأخرى! ولندرة مثل هؤلاء العاملين وحاجتهم للتواجد أكثر في الواقع الأفتراضي لخلق عوالم جديدة ومختلفة فهم نادرين أولاً وغير متصلين بالواقع الحقيقي. كما ذكرنا سابقاً في مثال يوتيوب وكيف أن المثليين والشواذ كانوا من أوائل الناشطين على تلك المنصة فأن الحال متشابه مع بقية شركات التقنية الكبرى. أن العزلة الأجتماعية المفروضة على الميميين دفعتهم ليتواجدوا بكثافة في الواقع الأفتراضي أو المعزز augmented reality مثل تطبيقات الملاحة الأرضية وأستخدام الذكاء الصناعي لتوليد الأفكار أو أختبار الأشياء وسواها. ونظراً للقيمة الأقتصادية والأرباح الكبرى لتلك الأعنال فلم يعد أحد من أصحاب تلك الشركات يركز على ماهية الميول الجنسية للشخص. لا بل أن نجاح الشواذ والعابرين جنسيا وسواهم من الميميين في تلك الشركات وتبوأ كثير منهم لمناصب قيادية فيها كما تم أيضاح ذلك في حلقات سابقة دفع شركات التكنولوجيا الكبرى تتبنى وتدعم حركات الميميين بقوة.

أما الأتجاه الثاني الذي عزز من تأثير الميميين في المجتمع فهو يرتبط بالأول. فقد أدركت الشركات الكبرى أن الأستثمار في هذه الحركات يمكن أن يدر أرباحاً كبرى ويعزز مما يسمى في علم التسويق بالأنطباع الجيد عن العلامة التجارية brand image. لقد أدركت الشركات والحكومات جاذبية الرسالة التي تحملها المنظمات الداعمة للميمية والتي تتلخص كما ذُكر في الحلقة السابقة بالحداثة والعدالة الأجتماعية وعدم التمييز بين الناس على أساس جنسهم.هذه الرسالة تبدو مغرية جدا لمجتمعات الشباب بخاصة في المجتمعات الغربية التي باتت أكثر فردانية وأقل أجتماعية نتيجة عوامل مختلفة قللت من تأثيرات المجتمع على الفرد الذي زادت درجة أستقلاليته بشدة وبالتالي قل تأثير المعايير الأجتماعية (وبضمنها الأدوار التقليدية للذكورة والأنوثة) عليه. لقد حولّت كثير من الشركات في الغرب برامجها المعتادة والتقليدية الخاصة بالمسؤولية الأجتماعية مثل أنشاء الحدائق والساحات وسواها من الخدمات التي تخدم المجتمعات المحلية التي تتواجد فيها الى برامج تخدم فئات الميميين المختلفة باعتبارها جزء من المسؤولية الأجتماعية للشركات،ومن ضمن ذلك تقديم منح دراسية للميميين! كما باتت الحكومات الغربية تمنح امتيازات مثل حق اللجوء والهجرة لدولها لمن يُعتقد أنهم مضطهدين بسبب جنسهم. مع هذا ينبغي أن نطرح السؤال الآتي: هل أن شركات الأعمال والحكومات هذه هي التي تقود وتدعم الأتجاهات الشاذة(أو المثلية) أم أنها ركبت الموجة للأستفادة منها؟ أجيب عن ذلك في سياق الحلقة القادمة.

 


مشاهدات 647
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2023/08/15 - 5:06 PM
آخر تحديث 2024/07/14 - 8:27 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 332 الشهر 7900 الكلي 9369972
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير